النووي فيه تأويلان أحدهما أن معناه لم يكن المجموع ولا ينفي وجود أحدهما والثاني هو الصواب معناه لم يكن لا ذلك ولا ذا في ظني بل ظني أني أكملت الصلاة أربعا ويدل على صحة هذا التأويل وأنه لا يجوز غيره أنه جاء في رواية للبخاري في هذا الحديث أن النبي قال لم نقصر ولم أنس يرجع إلى السلام أي لم أنس فيه إنما سلمت قصدا ولم أنس في نفس السلام وإنما سهوت عن العدد قال القرطبي وهذا فاسد لأنه حينئذ لا يكون جوابا عما سئل عنه ويقال بين النسيان والسهو فرق فقيل كان يسهو ولا ينسى فلذلك نفي عن نفسه النسيان لأن فيه غفلة ولم يغفل قاله القاضي وقال القشيري هذا افرق بينهما في استعمال اللغة وكأنه يلوح من اللفظ على أن النسيان عدم الذكر لأمر لا يتعلق باصلاة والسهو عدم الذكر لأمر يتعلق بها ويكون النسيان الإعراض عن تفقد أمورها حتى يحصل عدم الذكر والسهو عدم الذكر لا لأجل الإعراض وقال القرطبي لا نسلم الفرق ولئن سلم فقد أضاف النبي النسيان إلى نفسه في غير ما موضع بقوله إنما أنا بشر أنسى كما تنسون فإذا نسيت فذكروني وقال القاضي إنما أنكر نسيت المضافة إلى نفسه وهو قد نهى عن هذا بقوله بئسما لأحدكم أن يقول نسيت كذا ولكنه نسي وقد قال أيضا لا أنسى وقد شك بعض الرواة في روايته فقال أنسى أو أنسى وأن أو للشك أو للتقسيم وأن هذا يكون منه مرة من قبل شغله ومرة يغلب ويجبر عليه فلما سأله السائل بذلك أنكره وقال كل ذلك لم يكن وفي الأخرى لم أنس ولم تقصر أما القصر فبين وكذلك لم أنس حقيقة من قبل نفسي ولكن الله تعالى أنساني ويمكن أن يجاب عما قاله القاضي أن النهي في الحديث عن إضافة نسيت إلى الآية الكريمة لأنه يقبح للمؤمن أن يضيف إلى نفسه نسيان كلام الله تعالى ولا يلزم من هذا النهي الخاص النهي عن إضافته إلى كل شيء فافهم وذكر بعضهم أن العصمة ثابتة في الإخبار عن الله تعالى وأما إخباره عن الأمور الوجودية فيجوز فيها النسيان قلت تحقيق الكلام في هذا المقام أن قوله لم ينس ولم تقصر الصلاة مثل قوله كل ذلك لم يكن والمعنى كل من القصر والنسيان لم يكن فيكون في معنى لا شيء منهما بكائن على شمول النفي وعمومه لوجهين .
أحدهما أن السؤال عن أحد الأمرين بأم ويكون لطلب التعيين بعد ثبوت أحدهما عند المتكلم لا على التعيين غير أنه إنما يكون بالتعيين أو بنفيهما جميعا تخطئه للمستفهم لا بنفي الجمع بينهما حتى يكون نفي العموم لأنه عارف بأن الكائن أحدهما .
والثاني لما قال كل ذلك لم يكن قال له ذو اليدين قد كان بعض ذلك ومعلوم أن الثبوت للبعض إنما ينافي النفي عن كل فرد لا النفي عن المجموع وقوله قد كان بعض ذلك موجبة جزئية ونقيضها السالبة الكلية ولولا أن ذا اليدين فهم السلب الكلي لما ذكر في مقابلته الإيجاب الجزئي وههنا قاعدة أخرى وهي أن لفظة كل إذا وقعت في حيز النفيي كان النفي موجبها خاصة وأفاد بمفهومه ثبوت الفعل لبعض الأفراد كقولك ما جاء كل القوم ولم آخذ كل الدراهم وقوله .
( ما كل ما يتمنى المرء يدركه ) .
وإن وقع النفي في حيزها اقتضى السلب عن كل فرد كقوله كل ذلك لم يكن قوله أكما يقول ذو اليدين أي الأمر كما يقول قوله فقالوا نعم وفي رواية للبخاري فقال الناس نعم وفي رواية أبي داود فأمأوا أي نعم وفي أكثر الأحاديث قالوا نعم ويمكن أن يجمع بينهما بأن بعض أومأ وبعضهم يكلم وسنذكر وجه هذا عن قريب قوله فربما سألوه فربما سألوا ابن سيرين هل في الحديث ثم سلم يعني سألوا ابن سيرين أن رسول الله بعد هذا السجود سلم مرة أخرى أو اكتفى بالسلام الأول وكلمة رب أصلها للتقليل وكثر استعمالها في التكثير وتلحقها كلمة ما فتدخل على الجمل قوله فيقول نبئت بضم النون أي أخبرت أن عمران بن حصين قال ثم سلم وهذا يدل على أنه لم يسمع من عمران وقد بين أبو داود في روايته عن ابن سيرين الواسطة بينه وبين عمران فقال حدثنا محمد بن يحيى بن فارس حدثنا محمد بن عبد الله بن المثنى قال حدثني أشعث عن محمد بن سيرين عن خالد عن أبي قلابة عن أبي المهلب عن عمران بن حصين أن رسول الله صلى بهم وسها فسجد سجدتين ثم تشهد ثم سلم ورواه النسائي والترمزي وقال حسن غريب ورواه الطحاوي من حديث شعبة عن خالد الحذاء قال سمعت أبا قلابة يحدث عن عمه أبي المهلب عن عمران بن حصين أن رسول الله صلى بهم الظهر ثلاث ركعات ثم سلم وانصرف فقال له الخرباق يا رسول الله إنك صليت ثلاثا قال فجاء فصلى ركعة ثم سلم ثم سجد سجدتين للسهو ثم سلم وأبو قلابة اسمه عبد الله بن زيد الحرمي وعمه أبو المهلب اسمه عمرو بن معاوية قاله النسائي وقيل عبد الرحمن بن معاوية وقيل معاوية بن عمرو وقيل عبد الرحمن بن