من طريق محمود بن لبيد الأنصاري وهو من صغار الصحابة قال لما أراد عثمان رضي الله تعالى عنه بناء المسجد كره الناس ذلك وأحبوا أن يدعوه على هيئته أي في عهد النبي قوله حين بنى أي حين أراد عثمان أن يبني ولم يبن عثمان إنشاء وإنما وسعه وشيده وقد ذكرناه في باب بنيان المسجد وقال بعضهم فيؤخذ منه إطلاق البناء في حق من جدد كما يطلق في حق من أنشأ أو المراد بالمسجد ههنا بعض المسجد من إطلاق الكل على البعض ( قلت ) ذكر هذا القائل شيئين الأول مستغنى عنه فلا حاجة إلى ذكره والثاني لا يصح لأنه ذكر في باب بنيان المسجد حديث عبد الله بن عمر وفيه ثم غيره عثمان فزاد فيه زيادة كثيرة وبنى جداره بحجارة منقوشة والقصة وجعل عمده من حجارة منقوشة وسقفه بالساج انتهى فهذا يدل على أنه غير الكل وزاد فيه يعني في الطول والعرض وكان المسجد مبنيا باللبن وسقفه بالجريد وعمده خشب النخل وبناه عثمان بالحجارة وجعل عمده بالحجارة وسقفه بالساج فكيف يقول هذا القائل أو المراد بالمسجد هنا بعض المسجد فهذا كلام من لم يتأمل ويتصرف من غير وجه قوله مسجد الرسول كذا في رواية الأكثرين وفي رواية الكشميهني والحموي مسجد رسول الله قوله إنكم أكثرتم مقولة لقوله يقول ومفعوله محذوف للعلم به والتقدير أنكم أكثرتم الكلام في الإنكار على فعلى قوله من بنى مسجدا التنوين فيه للشيوع فيتناول من بنى مسجدا كبيرا أو صغيرا يدل عليه حديث أنس الذي أخرجه الترمذي بهذا اللفظ على ما ذكرناه وروى ابن أبي شيبة حديث الباب عن عثمان من وجه آخر وزاد فيه ولو كمفحص قطاة وفي حديث جابر كمفحص قطاة أو أصغر وللعلماء في توجيه هذا قولان فقال أكثرهم هذا محمول على المبالغة لأن المكان الذي تفحص القطاة عنه لتضع فيه بيضها وترقد عليه لا يكفي مقدار للصلاة فيه ويؤيده حديث جابر الذي ذكرناه وقال آخرون هو على ظاهره فالمعنى على هذا أن يزيد في مسجد قدرا يحتاج إليه تكون تلك الزيادة على هذا القدر أو يشترك جماعة في بناء مسجد فتقع حصة كل واحد منهم ذلك القدر قيل هذا كله بناء على أن المراد من المسجد ما يتبادر إليه الذهن وهو المكان الذي يتخذ للصلاة فيه فإن كان المراد بالمسجد موضع السجود وهو ما يسع الجهة فلا يحتاج إلى شيء مما ذكر ( قلت ) قوله من بنى يقتضي وجود بناء على الحقيقة فيحمل على المسجد المعهود بين الناس ويؤيد ذلك حديث أم حبيبة من بني لله بيتا وقد ذكرناه عن قريب وحديث عمر رضي الله تعالى عنه أيضا من بنى لله مسجدا يذكر فيه اسم الله وكل ذلك يدل على أن المراد بالمسجد هو المكان المتخذ لا موضع السجود فقط وهو الذي ذهب إليه الفرقة الأولى ولكن لا يمنع إرادة موضع السجود مجازا فيدخل فيه المواضع المحوطة إلى جهة القبلة وفيها هيئة المحراب في طرقات المسافرين والحال أنها ليست كالمساجد المبنية بالجدران والسقوف وربما يجعل منها موضع في غاية الصغر يدل عليه حديث أبي قرصافة الذي ذكرناه قوله قال بكير حسبت أنه أي أن عاصم بن عمر بن قتادة وهو شيخه الذي روى عنه هذا الحديث قال في روايته يبتغي به وجه الله وهذه الجملة مدرجة معترضة وقعت في البين ولم يجزم بها بكير فلذلك ذكرها بالحسبان وليست هذه الجملة في رواية جميع من روى هذا الحديث فإن لفظهم فيه من بني لله مسجدا بنى الله له مثله في الجنة فكأن بكير أنسى لفظة الله فذكرها بالمعنى فإن معنى قوله لله يبتغي به وجه الله لاشتراكهما في المعنى المقصود وهو الإخلاص ثم إن لفظة يبتغي به على تقدير ثبوتها في كلام الرسول تكون حالا من فاعل بنى والمراد بوجه الله ذات الله وابتغاء وجه الله في العمل هو الإخلاص وهو أن تكون نيته في ذلك طلب مرضاة الله تعالى من دون رياء وسمعة حتى قال ابن الجوزي من كتب اسمه على المسجد الذي يبنيه كان بعيدا من الإخلاص ( فإن قلت ) فعلى هذا لا يحصل الوعد المخصوص لمن يبنيه بالأجرة لعدم الإخلاص ( قلت ) الظاهر هذا ولكنه يؤجر في الجملة يدل عليه ما رواه أصحاب السنن وابن خزيمة والحاكم من حديث عقبة بن عامر مرفوعا أن الله يدخل بالسهم الواحد ثلاثة الجنة صانعه المحتسب في صنعته والرامي به والممد به فقوله المحتسب في صنعته هو من يقصد بذلك إعانة المجاهد وهو أعم من أن يكون متطوعا بذلك أو بأجرة لكن الإخلاص لا يكون إلا من المتطوع ( فإن قلت ) قوله من بنى حقيقته أن يباشر البناء بنفسه ليحصل له الوعد المخصوص فلا يدخل فيه الأمر بذلك ( قلت ) يتناول الأمر أيضا بنيته والأعمال بالنيات ( فإن قلت ) يلزم من ذلك الجمع بين الحقيقة والمجاز وهو