وهو أول خراج حمل إلى رسول الله وقد روى البخاري في المغازي من حديث عمر بن عوف أن النبي صالح أهل البحرين وأمر عليهم العلاء بن الحضرمي وبعث أبا عبيدة بن الجراح إليهم فقدم أبو عبيدة بمال فسمعت الأنصار بقدومه الحديث ( فإن قلت ) ذكر الواقدي في الردة أن رسول العلاء بن الحضرمي بالمال هو العلاء بن حارثة الثقفي ( قلت ) يحتمل أنه كان رفيق أبي عبيدة فاختصر في رواية الواقدي عليه ( فإن قلت ) في صحيح البخاري من حديث جابر رضي الله تعالى عنه أن النبي قال له لو جاء مال البحرين أعطيتك وفيه فلم يقدم مال البحرين حتى مات النبي فهذا معارض لحديث الباب ( قلت ) لا معارضة لأن المراد أنه لم يقدم في السنة التي مات فيها النبي لأنه كان مال خراج أو جزية فكان يقدم من سنة إلى سنة وأما البحرين فهو تثنية بحر في الأصل وهي بلدة مشهورة بين البصرة وعمان وهي هجر وأهلها عبد القيس بن أفصى بن دعمى بن جديلة بن أسد بن ربيعة بن نزار بن معد بن عدنان وقال القاضي عياض قيل بينها وبين البصرة أربعة وثمانون فرسخا وقال أبو عبيد البكري لما صالح أهله رسول الله أمر عليهم العلاء بن الحضرمي وزعم أبو الفرج في تاريخه أنها ريبة وأن ساكنيها معظمهم مطحولون وأنشد .
ومن يسكن البحرين يعظم طحاله .
ويغبط بما في جوفه وهو ساغب .
وزعم ابن سعد أن رسول الله لما انصرف من الجعرانة يعني بعد قسمة غنائم حنين أرسل العلاء بن الحضرمي إلى المنذر بن ساوى العبدي وهو بالبحرين يدعوه إلى الإسلام فكتب إلى رسول الله بإسلامه وتصديقه قوله انثروه أي صبوه قوله إليه أي إلى المال الذي قدم قوله إذ جاءه العباس وهو عم النبي ابن عبد المطلب وكلمة إذ ظرف في الغالب والعامل فيه يجوز أن يكون قوله فجلس إليه ويجوز أن يكون قوله يرى قوله فاديت نفسي يعني يوم بدر حيث أخذ أسيرا وفاديت من المفاداة يقال فاداه يفاديه إذا أعطى فداءه وأنقذ نفسه وقال فدى وأفدى وفادى ففدى إذا أعطى المال لخلاص غيره وفادى إذا افتك الأسير بأسير مثله لخلاص نفسه وأفدى إذا أعطى المال قوله وفاديت عقيلا بفتح العين وهو ابن أبي طالب وكان هو أيضا أسر يوم بدر مع عمه العباس قوله فحثى بفتح الحاء المهملة والثاء المثلثة والضمير فيه يرجع إلى العباس يقال حثوت له إذا أعطيته شيئا يسيرا قوله في ثوبه أي في ثوب العباس قوله يقله بضم الياء من الإقلال وهو الرفع والحمل قوله فلم يستطع أي حمله قوله مر بعضهم يرفعه علي أي مر بعض الحاضرين يرفع المال الذي أخذته وإنما قال ذلك لأنه لم يستطع حمله ( فإن قلت ) ما وزن مر ( قلت ) عل لأن المحذوف منه فاء الفعل لأن أصله اؤمر لأنه من أمر يأمر مهموز الفاء فحذفت همزة الكلمة لاجتماع المثلين في أول الكلمة المؤدي إلى الاستثقال فبقي أمر فاستغنى عن همزة الوصل لتحرك ما بعدها فحذفت فصار مر على وزن عل وفي رواية اؤمر على الأصل قوله يرفعه بياء المضارع والضمير المستتر فيه يرجع إلى البعض والبارز إلى المال الذي جثاه العباس في ثوبه ويجوز فيه الرفع والجزم أما الرفع فعلى الاستئناف والتقدير هو يرفعه وأما الجزم فعلى أنه جواب الأمر ويروى برفعه بالباء الموحدة ( فإن قلت ) كيف ما أمر النبي بإعانته في الرفع ولا أعانه بنفسه ( قلت ) زجرا له عن الاستكثار من المال وأن لا يأخذ إلا قدر حاجته أو لينبهه على أن أحدا لا يحمل عن أحد شيئا قوله فألقاه أي العباس على كاهله والكاهل ما بين الكتفين قوله يتبعه بصره بضم الياء من الاتباع أي لم يزل يتبع العباس بصره حتى خفي عليه وذلك تعجبا من حرصه وهو معنى قوله عجبا من حرصه وانتصابه على أنه مفعول مطلق من قبيل ما يجب حذف عامله ويجوز أن يكون منصوبا على أنه مفعول له قوله وثمة بفتح الثاء المثلثة أي هنالك وقوله درهم مبتدأ وخبره قوله منها مقدما والجملة وقعت حالا والمقصود منه إثبات القيام عند انتفاء الدرهم إذ الحال قيد للمنفي لا للنفي والمجموع منتف بانتفاء القيد لانتفاء المقيد وإن كان ظاهره نفي القيام حال ثبوت الدرهم .
( ذكر ما يستنبط منه من الأحكام ) منها أن القسمة إلى الإمام على قدر اجتهاده ومنها ما قاله ابن بطال أن العطاء لأحد الأصناف الثمانية الذين ذكرهم الله في كتابه دون غيرهم لأنه أعطى العباس لما شكى إليه من الغرم ولم يسوه في القسمة مع الثمانية الأصناف فلو قسم ذلك على التساوي لما أعطى العباس بغير مكيال ولا ميزان وقال الكرماني لا يصح هذا الكلام لأن الثمانية هي