جاز ترك يقين نفسه والرجوع إلى قول غيره لرجع ذو اليدين حين قال لم تقصر ولم أنس قلت هذا ليس بجواب مخلص لأنه لا يخلو عن الرجوع سواء كان رجوعه للتذكر أو لغيره وعدم رجوع ذي اليدين كان لأجل كلام الرسول لا لأجل يقين نفسه فافهم وقال ابن القصار اختلفت الرواية في هذا عن مالك فمرة قال يرجع إلى قولهم وهو قول أبي حنيفة لأنه قال يبنى على غالب ظنه وقال مرة أخرى يعمل على يقينه ولا يرجع إلى قولهم كقول الشافعي .
ومنها أن فيه دلالة على أن البيان لا يؤخر عن وقت الحاجة لقوله لو حدث في الصلاة شيء لنبأتكم به .
ومنها أن فيه حجة لأبي حنيفة ولغيره من أهل الكوفة على أن من شك في صلاته في عدد ركعاتها تحرى لقوله فليتحر الصواب ويبني على غالب ظنه ولا يلزمه الاقتصار على الأقل وهو حجة على الشافعي ومن تبعه في قولهم فيمن شك هل صلى ثلاثا أم أربعا مثلا لزمه البناء على اليقين وهو الأقل فيأتي بما بقي ويسجد للسهو فإن قلت أمر الشارع بالتحري وهو القصد بالصواب وهو لا يكون إلا بالأخذ بالأقل الذي هو اليقين على ما بينه في حديث أبي سعيد الخدري عن رسول الله إذا صلى أحدكم فلم يدر أثلاثا صلى أم أربعا فليبن على اليقين ويدع الشك الحديث أخرجه مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة قلت هذا محمول على ما إذا تحرى ولم يقع تحريه على شيء ففي هذا نقول يبني على الأقل لأن حديثه ورد في الشك وهو ما استوى طرفاه ولم يترجح له أحد الطرفين ففي هذا يبنى على الأقل بالإجماع فإن قلت قال النووي في دفع هذا إن تفسير الشك هكذا اصطلاح طار للأصوليين وأما في اللغة فالتردد بين وجود الشيء وعدمه كله يسمى شكا سواء المستوي والراجح والمرجوح والحديث يحمل على اللغة ما لم يكن هناك حقيقة شرعية أو عرفية فلا يجوز حمله على ما يطرأ للمتأخرين من الاصطلاح قلت هذا غير مجد ولا دافع لأن المراد الحقيقة العرفية وهي أن الشك ما استوى طرفاه ولئن سلمنا أن يكون المراد معناه اللغوي فليس معنى الشك في اللغة ما ذكره لأن صاحب ( الصحاح ) فسر الشك في باب الكاف فقال الشك خلاف اليقين ثم فسر اليقين في باب النون فقال اليقين العلم فيكون الشك ضد العلم وضد العلم الجهل ولا يسمى المتردد بين وجود الشيء وعدمه جاهلا بل يسمى شاكا فعلم أن قوله وأما في اللغة فالتردد بين وجود الشيء وعدمه يسمى شكا هو الحقيقة العرفية لا اللغوية .
ومنها أن فيه دليلا على أن سجود السهو يتداخل ولا يتعدد بتعدد أسبابه فإن النبي تكلم بعد أن سها واكتفى فيه بسجدتين وهذا مذهب الجمهور من الفقهاء ومنهم من قال يتعدد السجود بتعدد السهو .
ومنها أن فيه دليلا على أن سجود السهو في آخر الصلاة لأنه لم يفعله إلا كذلك وقيل في حكمته إنه أخر لاحتمال سهو آخر فيكون جابرا للكل وفرع الفقهاء على أنه لو سجد ثم تبين أنه لم يكن آخر الصلاة لزمه إعادته في آخرها وصوروا ذلك في صورتين إحداهما أن يسجد للسهو في الجمعة ثم يخرج الوقت وهو في السجود الأخير فيلزمه إتمام الظهر ويعيد السجود والثانية أن يكون مسافرا فيسجد للسهو وتصل به السفينة إلى الوطن أو ينوي الإقامة فيتم ثم يعيد السجود .
الأسئلة والأجوبة منها ما قاله الكرماني فإن قلت قوله وسجد سجدتين دليل على أنه لم ينقص شيئا من الركعات ولا من السجدات وإلا لتداركها فكيف صح أن يقول إبراهيم لا أدري بل تعين أنه زاد إذ النقصان لا يجبر بالسجدتين بل لا بد من الإتيان بالمتروك أيضا قلت كل نقصان لا يستلزم الإتيان به بل كثير منه ينجبر بمجرد السجدتين ولفظ نقص لا يوجب النقص في الركعة ونحوها قلت قد ذكرنا فيما مضى عن الحميدي أنه قال بل زاد وكانت زيادته أنه صلى الظهر خمسا كما ذكره الطبراني فحينئذ كان سجوده لتأخير السلام ولزيادته من جنس الصلاة وقوله إذ النقصان لا ينجبر بالسجدتين غير مسلم لأن النقصان إذا كان في الواجبات أو في تأخيرها عن محلها أو في تأخير ركن من الأركان ينجبر بالسجدتين وقوله بل لا بد من الإتيان بالمتروك إنما يجب إذا كان المتروك ركنا وأما إذا كان من الواجبات و من السنن التي هي في قوة الواجب فلا يلزمه الإتيان بمثله وإنما ينجبر بالسجدتين .
ومنها ما قاله الكرماني أيضا فإن قلت الصواب غير معلوم وإلا لما كان ثمة شك فكيف يتحرى الصواب قلت المراد منه المتحقق والمتيقن أي فليأخذ باليقين قلت هذا الذي قاله بناء على مذهب إمامه فإنه فسر الصواب بالأخذ باليقين وأما عند أبي حنيفة المراد