92 - .
( باب قبلة أهل المدينة وأهل الشأم والمشرق ليس في المشرق ولا في المغرب قبلة ) .
هذا الموضع يحتاج إلى تحرير قوي فإن أكثر من تصدى لشرحه لم يغن شيئا بل بعضهم ركب البعاد وخرط القتاد فنقول وبا التوفيق إن قوله باب إما أن يضاف إلى ما بعده أو يقطع عنه وإن لفظة قبلة بعد قوله ولا في المغرب إما أن تكون موجودة أو لا ولكل واحد من ذلك وجه .
ففي القطع وعدم وجود لفظة قبلة يكون لفظة باب منونا على تقدير هذا باب ويجوز أن يكون ساكنا مثل تعداد الأسماء لأن الإعراب لا يكون إلا بالعقد والتركيب ويكون قوله قبلة أهل المدينة الذي هو كلام إضافي مبتدأ أو قوله وأهل الشام بالجر عطفا على المضاف إليه وكذلك قوله والمشرق بالجر و قوله ليس في المشرق خبر المبتدأ ولكن لا بد فيه من تقديرين أحدهما أن يقدر لفظ قبلة الذي هو المبتدأ بلفظ مستقبل أهل الشام لوجوب التطابق بين المبتدأ والخبر في التذكير والتأنيث والثاني أن يؤول لفظ المشرق بالتشريق ولفظ المغرب بالتغريب والعرب تطلق المشرق والمغرب لمعنى التشريق والتغريب قاله ثعلب وأنشد .
أبعد مغربهم بغداد ساحتها .
وقال ثعلب معناه أبعد تغريبهم فإن قلت لم لم يذكر المغرب بعد قوله والمشرق مع أن العلة فيهما مشتركة قلت اكتفى بذلك عنه كما في قوله تعالى سرابيل تقيكم الحر ( النحل 18 ) أي والبرد وأما تخصيص المشرق فلأن أكثر بلاد الإسلام في جهة المشرق .
وأما في الإضافة وتقدير وجود لفظ قبلة بعد قوله ولا في المغرب فتقديره هذا باب في بيان قبلة أهل المدينة وقبلة أهل الشام وقبلة أهل المشرق ثم بين ذلك بالجملة الاستئنافية وهي قوله ليس في المشرق ولا في المغرب قبلة ولهذا ترك العاطف والجملة الاستئنافية في الحقيقة جواب عن سؤال مقدر وهو أنه لما قال باب قبلة أهل المدينة وأهل الشام والمشرق انتصب سائل فقال كيف قبلة هذه المواضع فقال ليس في المشرق ولا في المغرب قبلة وقال السفاقسي يريد أن قبلة هؤلاء المسلمين ليست في المشرق منهم ولا في المغرب بدليل أن النبي أباح لهم قضاء الحاجة في جهة المشرق منهم والمغرب قلت معناه القبلة ما بينهما لما روى الترمذي بإسناده عن أبي هريرة قال قال النبي ما بين المشرق والمغرب قبلة ثم قال وقد روي عن غير واحد من أصحاب النبي ما بين المشرق والمغرب قبلة منهم عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب وابن عباس وقال ابن عمر إذا جعلت المغرب عن يمينك والمشرق عن يسارك فما بينهما قبلة إذا استقبلت القبلة وقوله ما بين المشرق والمغرب قبلة ليس عاما في سائر البلاد وإنما هو بالنسبة إلى المدينة الشريفة وما وافق قبلتها وقال البيهقي في ( الخلافيات ) والمراد وا أعلم أهل المدينة ومن كانت قبلته على سمت أهل المدينة وقال أحمد بن خالد الذهبي قول عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه ما بين المشرق والمغرب قبلة قاله بالمدينة فمن كانت قبلته مثل قبلة المدينة فهو من سعة ما بين المشرق والمغرب ولسائر البلدان من السعة في القبلة مثل ذلك بين الجنوب والشمال ونحو ذلك وقال ابن بطال تفسير هذه الترجمة يعني وقبلة مشرق الأرض كلها إلا ما قابل مشرق مكة من البلاد التي تكون تحت الخط المار عليها من المشرق إلى المغرب فحكم مشرق الأرض كلها كحكم مشرق أهل المدينة والشام في الأمر بالانحراف عند الغائط لأنهم إذا شرقوا أو غربوا لم يستقبلوا القبلة ولم يستدبروها قال وأما ما قابل مشرق مكة من البلاد التي تكون تحت الخط المار عليها من مشرقها إلى مغربها فلا يجوز لهم استعمال هذا الحديث ولا يصح لهم أن يشرقوا ولا أن يغربوا لأنهم إذا شرقوا استدبروا القبلة وإذا غربوا استقبلوها وكذلك من كان موازيا بمغرب مكة إن غرب استدبر القبلة وإن شرق استقبلها وإنما ينحرف إلى الجنوب أو الشمال فهذا هو تغريبه وتشريقه .
قال وتقدير الترجمة باب قبلة أهل المدينة وأهل الشام والمشرق والمغرب ليس في التشريق ولا في التغريب يعني أنهم عند الانحراف للتشريق والتغريب ليسوا مواجهين للقبلة ولا مستدبرين لها .
لقول النبي لا تستقبلوا القبلة بغائط أو بول ولكن شرقوا أو غربوا هذا التعليق رواه النسائي موصولا فقال أخبرنا منصور قال حدثنا سفيان عن الزهري عن عطاء بن يزيد عن أبي أيوب الأنصاري أن النبي قال لا تستقبلوا القبلة بغائط ولا بول ولكن شرقوا أو غربوا واحتج البخاري