يأبى هذا الحمل فالمعتمد ما تقدم وأبدى بن المنير هنا نكتة لطيفة في قوله صلى الله عليه وسلّم لموسى عليه السلام لما أمره أن يرجع بعد أن صارت خمسا فقال استحييت من ربي قال بن المنير يحتمل أنه صلى الله عليه وسلّم تفرس من كون التخفيف وقع خمسا خمسا أنه لو سأل التخفيف بعد أن صارت خمسا لكان سائلا في رفعها فلذلك استحيى أه ودلت مراجعته صلى الله عليه وسلّم لربه في طلب التخفيف تلك المرات كلها أنه علم إن الأمر في كل مرة لم يكن على سبيل الإلزام بخلاف المرة الأخيرة ففيها ما يشعر بذلك لقوله سبحانه وتعالى لا يبدل القول لدى ويحتمل أن يكون سبب الاستحياء إن العشرة آخر جمع القلة وأول جمع الكثرة فخشي أن يدخل في الإلحاح في السؤال لكن الإلحاح في الطلب من الله مطلوب فكأنه خشي من عدم القيام بالشكر والله أعلم وسيأتي في التوحيد زيادة في هذا ومخالفة وأبدى بعض الشيوخ حكمة لاختيار موسى تكرير ترداد النبي صلى الله عليه وسلّم فقال لما كان موسى قد سأل الرؤية فمنع وعرف أنها حصلت لمحمد صلى الله عليه وسلّم قصد بتكرير رجوعه تكرير رؤيته ليرى من رأى كما قيل لعلي أراهم أو أرى من رآهم قلت ويحتاج إلى ثبوت تجدد الرؤية في كل مرة قوله هن خمس وهن خمسون وفي رواية غير أبي ذر هي بدل هن في الموضعين والمراد هن خمس عددا باعتبار الفعل وخمسون اعتدادا باعتبار الثواب واستدل به على عدم فرضية ما زاد على الصلوات الخمس كالوتر وعلى دخول النسخ في الإنشاءات ولو كانت مؤكدة خلافا لقوم فيما أكد وعلى جواز النسخ قبل الفعل قال بن بطال وغيره ألا ترى أنه D نسخ الخمسين بالخمس قبل أن تصلي ثم تفضل عليهم بان أكمل لهم الثواب وتعقبه بن المنير فقال هذا ذكره طوائف من الاصوليين والشراح وهو مشكل على من أثبت النسخ قبل الفعل كالأشاعرة أو منعه كالمعتزلة لكونهم اتفقوا جميعا على أن النسخ لا يتصور قبل البلاغ وحديث الإسراء وقع فيه النسخ قبل البلاغ فهو مشكل عليهم جميعا قال وهذه نكتة مبتكرة قلت أن أراد قبل البلاغ لكل أحد فممنوع وأن أراد قبل البلاغ إلى الأمة فمسلم لكن قد يقال ليس هو بالنسبة إليهم نسخا لكن هو نسخ بالنسبة إلى النبي صلى الله عليه وسلّم لأنه كلف بذلك قطعا ثم نسخ بعد أن بلغه وقبل أن يفعل فالمسألة صحيحة التصوير في حقه صلى الله عليه وسلّم والله اعلم وسيأتي لذلك مزيد في شرح حديث الإسراء في الترجمة النبوية إن شاء الله تعالى قوله حبايل اللؤلؤ كذا وقع لجميع رواة البخاري في هذا الموضع بالحاء المهملة ثم الموحدة وبعد الألف تحتانية ثم لام وذكر كثير من الأئمة أنه تصحيف وإنما هو جنابذ بالجيم والنون وبعد الألف موحدة ثم ذال معجمة كما وقع عند المصنف في أحاديث الأنبياء من رواية بن المبارك وغيره عن يونس وكذا عند غيره من الأئمة ووجدت في نسخة معتمدة من رواية أبي ذر في هذا الموضع جنابذ على الصواب وأظنه من إصلاح بعض الرواة وقال بن حزم في أجوبته على مواضع من البخاري فتشت على هاتين اللفظتين فلم أجدهما ولا واحدة منهما ولا وقفت على معناهما انتهى وذكر غيره إن الجنابذ شبه القباب وأحدها جنبذه بالضم وهو ما ارتفع من البناء فهو فارسي معرب وأصله بلسانهم كنبذة بوزنه لكن الموحدة مفتوحة والكاف ليست خالصة ويؤيده ما رواه المصنف في التفسير من طريق شيبان عن قتادة عن أنس قال لما عرج بالنبي صلى الله عليه وسلّم قال أتيت على نهر حافتاه قباب اللؤلؤ