حدثك انه يعلم الغيب الحديث وأخرجه احمد عن غندر عن شعبة كذلك وقد تقدم الكلام على قصة الرؤية والغيب هناك وكل ما أنزل على الرسول صلى الله عليه وسلّم فله بالنسبة إليه طرفان طرف الأخذ من جبريل عليه السلام وقد مضى في الباب السابق وطرف الأداء للأمة وهو المسمى بالتبليغ وهو المقصود هنا الحديث الرابع حديث عبد الله هو بن مسعود أي الذنب أكبر تقدم قريبا في باب قوله تعالى فلا تجعلوا لله أندادا وزاد في آخره هنا فأنزل الله تصديقها .
7094 - والذين لا يدعون مع الله الها آخر إلى آخر الآية ومناسبته للترجمة أن التبليغ على نوعين أحدهما وهو الأصل ان يبلغه بعينه وهو خاص بما يتعبد بتلاوته وهو القرآن وثانيهما أن يبلغ ما يستنبط من أصول ما تقدم انزاله فينزل عليه موافقته فيما استنبطه اما بنصه واما بما يدل على موافقته بطريق الأولى كهذه الآية فانها اشتملت على الوعيد الشديد في حق من أشرك وهي مطابقة للنص وفي حق من قتل النفس بغير حق وهي مطابقة للحديث بطريق الأولى لأن القتل بغير حق وان كان عظيما لكن قتل الولد أشد قبحا من قتل من ليس بولد وكذا القول في الزناة فان الزنا بحليلة الجار أعظم قبحا من مطلق الزنا ويحتمل ان يكون إنزال هذه الآية سابقا على اخباره صلى الله عليه وسلّم بما أخبر به لكن لم يسمعها الصحابي الا بعد ذلك ويحتمل أن يكون كل من الأمور الثلاثة نزل تعظيم الإثم فيه سابقا ولكن اختصت هذه الآية بمجموع الثلاثة في سياق واحد مع الاقتصار عليها فيكون المراد بالتصديق الموافقة في الاقتصار عليها فعلى هذا فمطابقة الحديث للترجمة ظاهرة جدا والله أعلم واستدل أبو المظفر بن السمعاني بآيات الباب وأحاديثه على فساد طريقة المتكلمين في تقسيم الأشياء إلى جسم وجوهر وعرض قالوا فالجسم ما اجتمع من الافتراق والجوهر ما حمل العرض والعرض مالا يقوم بنفسه وجعلوا الروح من الأعراض وردوا الأخبار في خلق الروح قبل الجسد والعقل قبل الخلق واعتمدوا على حدسهم وما يؤدي إليه نظرهم ثم يعرضون عليه النصوص فما وافقه قبلوه وما خالفه ردوه ثم ساق هذه الآيات ونظائرها من الأمر بالتبليغ قال وكان مما أمر بتبليغه التوحيد بل هو أصل ما أمر به فلم يترك شيئا من أمور الدين أصوله وقواعده وشرائعه الا بلغه ثم لم يدع الا الاستدلال بما تمسكوا به من الجوهر والعرض ولا يوجد عنه ولا عن أحد من أصحابه من ذلك حرف واحد فما فوقه فعرف بذلك انهم ذهبوا خلاف مذهبهم وسلكوا غير سبيلهم بطريق محدث مخترع لم يكن عليه رسول الله صلى الله عليه وسلّم ولا أصحابه Bهم ويلزم من سلوكه العود على السلف بالطعن والقدح ونسبتهم إلى قلة المعرفة واشتباه الطرق فالحذر من الاشتغال بكلامهم والاكتراث بمقالاتهم فانها سريعة التهافت كثيرة التناقض وما من كلام تسمعه لفرقة منهم الا وتجد لخصومهم عليه كلاما يوازنه أو يقاربه فكل بكل مقابل وبعض ببعض معارض وحسبك من قبيح ما يلزم من طريقتهم انا إذا جرينا على ما قالوه وألزمنا الناس بما ذكروه لزم من ذلك تكفير العوام جميعا لأنهم لا يعرفون الا الاتباع المجرد ولو عرض عليهم هذا الطريق ما فهمه أكثرهم فضلا عن أن يصير منهم صاحب نظر وانما غاية توحيدهم التزام ما وجدوا عليه أئمتهم في عقائد الدين والعض عليها بالنواجذ والمواظبة على وظائف العبادات وملازمة الأذكار بقلوب سليمة طاهرة عن الشبه والشكوك فتراهم لا يحيدون عما اعتقدوه ولو قطعوا اربا اربا فهنيئا لهم هذا اليقين وطوبى لهم هذه السلامة فإذا كفر هؤلاء وهم السواد الأعظم وجمهور الأمة فما هذا الا طي بساط الإسلام وهدم منار الدين والله المستعان