يؤخذ من صحة استدلاله فيما يتعلق بالنبوة والرسالة أنه كان مطلعا على شرائع الأنبياء فتحمل تصرفاته على وفق الشريعة التي كان متمسكا بها كما سأذكره من عند الكرماني والذي يظهر لي أن مستند البخاري تقرير بن عباس وهو من الأئمة الذين يقتدى بهم على ذلك ومن ثم احتج باكتفائه بترجمة أبي جمرة له فالأثران راجعان لابن عباس أحدهما من تصرفه والآخر من تقريره وإذا انضم إلى ذلك فعل عمر ومن معه من الصحابة ولم ينقل عن غيرهم خلافه قويت الحجة ولما نقل الكرماني كلام بن بطال تعقبه بأن قال أقول وجه الاحتجاج انه كان يعني هرقل نصرانيا وشرع من قبلنا حجة لنا ما لم ينسخ قال وعلى قول من قال أنه أسلم فالأمر ظاهر قلت بل هو أشد اشكالا لأنه لا حجة في فعله عند أحد إذ ليس صحابيا ولو ثبت أنه أسلم فالمعتمد ما تقدم والله أعلم قال بن بطال أجاز الأكثر ترجمة واحد وقال محمد بن الحسن لا بد من رجلين أو رجل وامرأتين وقال الشافعي هو كالبينة وعن مالك روايتان قال وحجة الأول ترجمة زيد بن ثابت وحده للنبي صلى الله عليه وسلّم وأبي جمرة لابن عباس وان الترجمان لا يحتاج إلى أن يقول أشهد بل يكفيه مجرد الاخبار وهو تفسير ما يسمعه من الذي يترجم عنه ونقل الكرابيسي عن مالك والشافعي الاكتفاء بترجمان واحد وعن أبي حنيفة الاكتفاء بواحد وعن أبي يوسف اثنين وعن زفر لا يجوز أقل من اثنين وقال الكرماني الحق ان البخاري لم يحرر هذه المسألة إذ لا نزاع لأحد انه يكفي ترجمان واحد عند الاخبار وانه لا بد من اثنين عند الشهادة فيرجع الخلاف إلى انها أخبار أو شهادة فلو سلم الشافعي انها أخبار لم يشترط العدد ولو سلم الحنفي انها شهادة لقال بالعدد والصور المذكورة في الباب كلها اخبارات أما المكتوبات فظاهر واما قصة المرأة وقول أبي جمرة فأظهر فلا محل لأن يقال على سبيل الاعتراض وقال بعض الناس بل الاعتراض عليه أوجه فإنه نصب الأدلة في غير ما ترجم عليه وهو ترجمة الحاكم إذ لا حكم فيما استدل به انتهى وهو أولى بأن يقال في حقه أنه ما حرر فان أصل ما احتج به اكتفاء النبي صلى الله عليه وسلّم بترجمة زيد بن ثابت واكتفائه به وحده وإذا اعتمد عليه في قراءة الكتب التي ترد وفي كتابه ما يرسله إلى من يكاتبه التحق به اعتماده عليه فيما يترجم له عمن حضر من أهل ذلك اللسان فإذا اكتفى بقوله في ذلك وأكثر تلك الأمور يشتمل على تلك الأحكام وقد يقع فيما طريقه منها الاخبار ما يترتب عليه الحكم فكيف لا تتجه الحجة به للبخاري وكيف يقال أنه ما حرر المسألة وقد ترجم المحب الطبري في الأحكام ذكر اتخاذ مترجم والاكتفاء بواحد وأورد فيه حديث زيد بن ثابت وما علقه البخاري عن عمر وعن بن عباس ثم قال احتج بظاهر هذه الأحاديث من ذهب إلى جواز الاقتصار على مترجم واحد ولم يتعقبه وأما قصة المرأة مع عمر فظاهر السياق أنها كانت فيما يتعلق بالحكم لأنه درأ الحد عن المراة لجهلها بتحريم الزنا بعد ان ادعى عليها وكاد يقيم عليها الحد واكتفى في ذلك بأخبار واحد يترجم له عن لسانها وأما قصة أبي جمرة مع بن عباس وقصة هرقل فإنهما وان كانا في مقام الاخبار المحض فلعله انما ذكرهما استظهارا وتأكيدا وأما دعواه ان الشافعي لو سلم انها أخبار لما اشترط العدد الخ فصحيح ولكن ليس فيه ما يمنع من نصب الخلاف مع من يشترط العدد وأقل ما فيه انه إطلاق في موضع التقييد فيحتاج إلى التنبيه عليه والى ذلك يشير البخاري بتقييده بالحاكم فيؤخذ منه ان غير الحاكم يكتفي بالواحد لأنه أخبار محض وليس النزاع فيه وانما النزاع فيما يقع عند الحاكم فان غالبه يؤول إلى الحكم ولا سيما عند من يقول ان تصرف الحاكم بمجرده حكم وقد قال بن المنذر القياس يقتضي اشتراط العدد