قال كان محمد يعني بن سيرين إذا قص عليه رجل أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلّم قال صف لي الذي رأيته فان وصف له صفة لا يعرفها قال لم تره وسنده صحيح ووجدت له ما يؤيده فأخرج الحاكم من طريق عاصم بن كليب حدثني أبي قال قلت لابن عباس رأيت النبي صلى الله عليه وسلّم في المنام قال صفه لي قال ذكرت الحسن بن علي فشبهته به قال قد رأيته وسنده جيد ويعارضه ما أخرجه بن أبي عاصم من وجه آخر عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم من رآني في المنام فقد رآني فاني أرى في كل صورة وفي سنده صالح مولى التوأمة وهو ضعيف لاختلاطه وهو من رواية من سمع منه بعد الاختلاط ويمكن الجمع بينهما بما قال القاضي أبو بكر بن العربي رؤية النبي صلى الله عليه وسلّم بصفته المعلومة إدراك على الحقيقة ورؤيته على غير صفته إدراك للمثال فان الصواب أن الأنبياء لا تغيرهم الأرض ويكون إدراك الذات الكريمة حقيقة وإدراك الصفات إدراك المثل قال وشذ بعض القدرية فقال الرؤيا لا حقيقة لها أصلا وشذ بعض الصالحين فزعم أنها تقع بعيني الرأس حقيقة وقال بعض المتكلمين هي مدركة بعينين في القلب قال وقوله فسيراني معناه فسيرى تفسير ما رأى لأنه حق وغيب ألقي فيه وقيل معناه فسيراني في القيامة ولا فائدة في هذا التخصيص وأما قوله فكأنما رآني فهو تشبيه ومعناه أنه لو رآه في اليقظة لطابق ما رآه في المنام فيكون الأول حقا وحقيقة والثاني حقا وتمثيلا قال وهذا كله إذا رآه على صورته المعروفة فان رآه على خلاف صفته فهي أمثال فان رآه مقبلا عليه مثلا فهو خير للرائي وفيه وعلى العكس فبالعكس وقال النووي قال عياض يحتمل أن يكون المراد بقوله فقد رآني أو فقد رأى الحق أن من رآه على صورته في حياته كانت رؤياه حقا ومن رآه على غير صورته كانت رؤيا تأويل وتعقبه فقال هذا ضعيف بل الصحيح أنه يراه حقيقة سواء كانت على صفته المعروفة أو غيرها انتهى ولم يظهر لي من كلام القاضي ما ينافي ذلك بل ظاهر قوله أنه يراه حقيقة في الحالين لكن في الأولى تكون الرؤيا مما لا يحتاج إلى تعبير والثانية مما يحتاج إلى التعبير قال القرطبي اختلف في معنى الحديث فقال قوم هو على ظاهره فمن رآه في النوم رأى حقيقته كمن رآه في اليقظة سواء قال وهذا قول يدرك فساده بأوائل العقول ويلزم عليه أن لا يراه أحد الا على صورته التي مات عليها وأن لا يراه رائيان في آن واحد في مكانين وان يحيا الآن ويخرج من قبره ويمشي في الأسواق ويخاطب الناس ويخاطبوه ويلزم من ذلك أن يخلو قبره من جسده فلا يبقى من قبره فيه شيء فيزار مجرد القبر ويسلم على غائب لأنه جائز أن يرى في الليل والنهار مع اتصال الأوقات على حقيقته في غير قبره وهذه جهالات لا يلتزم بها من له أدنى مسكة من عقل وقالت طائفة معناه أن من رآه رآه على صورته التي كان عليها ويلزم منه أن من رآه على غير صفته أن تكون رؤياه من الاضغاث ومن المعلوم أنه يرى في النوم على حالة تخالف حالته في الدنيا من الأحوال اللائقة به وتقع تلك الرؤيا حقا كما لو رؤى ملأ دارا بجسمه مثلا فإنه يدل على امتلاء تلك الدار بالخير ولو تمكن الشيطان من التمثيل بشيء مما كان عليه أو ينسب إليه لعارض عموم قوله فان الشيطان لا يتمثل بي فالأولى أن تنزه رؤياه وكذا رؤيا شيء منه أو مما ينسب إليه عن ذلك فهو ابلغ في الحرمة وأليق بالعصمة كما عصم من الشيطان في يقظته قال والصحيح في تأويل هذا الحديث ان مقصوده ان رؤيته في كل حالة ليست باطلة ولا أضغاثا بل هي حق في نفسها ولو رؤي على غير صورته فتصور تلك الصورة ليس من الشيطان بل هو من قبل الله وقال وهذا قول القاضي أبي بكر بن الطيب وغيره ويؤيده قوله فقد رأى الحق أي رأى الحق الذي قصد إعلام الرائي به فان كانت على ظاهرها والا