اعتذار مقبول ويمكن الجواب عن اختلاف الاعداد أنه وقع بحسب الوقت الذي حدث فيه النبي صلى الله عليه وسلّم بذلك كأن يكون لما أكمل ثلاث عشرة سنة بعد مجيء الوحي إليه حدث بأن الرؤيا جزء من ستة وعشرين ان ثبت الخبر بذلك وذلك وقت الهجرة ولما أكمل عشرين حدث بأربعين ولما أكمل أثنين وعشرين حدث بأربعة وأربعين بعدها بخمسة وأربعين ثم حدث بستة وأربعين في آخر حياته وأما ما عدا ذلك من الرؤيات بعد الأربعين فضعيف ورواية الخمسين يحتمل أن تكون لجبر الكسر ورواية السبعين للمبالغة وما عدا ذلك لم يثبت وهذه مناسبة لم ار من تعرض لها ووقع في بعض الشروح مناسبة للسبعين ظاهرة التكلف وهي أنه صلى الله عليه وسلّم قال في الحديث الذي أخرجه أحمد وغيره أنا بشارة عيسى ودعوة إبراهيم ورأت أمي نورا فهذه ثلاثة أشياء تضرب في مدة نبوته وهي ثلاثة وعشرون سنة تضاف إلى أصل الرؤيا فتبلغ سبعين قلت ويبقى في أصل المناسبة إشكال آخر وهو أن المتبادر من الحديث إرادة تعظيم رؤيا المؤمن الصالح والمناسبة المذكورة تقتضي قصر الخبر على صورة ما اتفق لنبينا صلى الله عليه وسلّم كأنه قيل كانت المدة التي أوحى الله إلى نبينا فيها في المنام جزءا من ستة وأربعين جزءا من المدة التي أوحى الله إليه فيها في اليقظة ولا يلزم من ذلك أن كل رؤيا لكل صالح تكون كذلك ويؤيد إرادة التعميم الحديث الذي ذكره الخطابي في الهدى والسمت فإنه ليس خاصا بنبوة نبينا صلى الله عليه وسلّم أصلا وقد أنكر الشيخ أبو محمد بن أبي جمرة التأويل المذكور فقال ليس فيه كبير فائدة ولا ينبغي أن يحمل كلام المؤيد بالفصاحة والبلاغة على هذا المعنى ولعل قائله أراد أن يجعل بين النبوة والرؤيا نوع مناسبة فقط ويعكر عليه الاختلاف في عدد الاجزاء تنبيه حديث الهدى الصالح الذي ذكره الخطابي أخرجه الترمذي والطبراني من حديث عبد الله بن سرخس لكن بلفظ أربعة وعشرين جزءا وقد ذكره القرطبي في المفهم بلفظ من ستة وعشرين انتهى وقد أبدى غير الخطابي المناسبة باختلاف الروايات في العدد المذكور وقد جمع بينها جماعة أولهم الطبري فقال رواية السبعين عامة في كل رؤيا صادقة من كل مسلم ورواية الأربعين خاصة بالمؤمن الصادق الصالح وأما ما بين ذلك فبالنسبة لأحوال المؤمنين وقال بن بطال أما الاختلاف في العدد قلة وكثرة فأصح ما ورد فيها من ستة وأربعين ومن سبعين وما بين ذلك من أحاديث الشيوخ وقد وجدنا الرؤيا تنقسم قسمين جلية ظاهرة كمن رأى في المنام أنه يعطي تمرا فأعطي تمرا مثله في اليقظة فهذا القسم لا إغراب في تأويلها ولا رمز في تفسيرها ومرموزة بعيدة المرام فهذا القسم لا يقوم به حتى يعبره إلا حاذق لبعد ضرب المثل فيه فيمكن أن هذا من السبعين والأول من الستة والأربعين لأنه إذا قلت الأجزاء كانت الرؤيا أقرب إلى الصدق وأسلم من وقوع الغلط في تأويلها بخلاف ما إذا كثرت قال وقد عرضت هذا الجواب على جماعة فحسنوه وزادني بعضهم فيه أن النبوة على مثل هذين الوصفين تلقاها الشارع عن جبريل فقد أخبر أنه كان يأتيه الوحي مرة فيكلمه بكلام فيعيه بغير كلفة ومرة يلقي إليه جملا وجوامع يشتد عليه حملها حتى تأخذه الرحضاء ويتحدر منه العرق ثم يطلعه الله على بيان ما ألقى عليه منها ولخصه المازري فقال قيل إن المنامات دلالات والدلالات منها ما هو جلي ومنها ما هو خفي فالأقل في العدد هو الجلي والأكثر في العدد هو الخفي وما بين ذلك وقال الشيخ أبو محمد بن أبي جمرة ما حاصله أن النبوة جاءت بالأمور الواضحة وفي بعضها ما يكون فيه إجمال مع كونه مبينا في موضع آخر وكذلك المرائي منها ما هو صريح لا يحتاج إلى تأويل ومنها ما يحتاج فالذي يفهمه العارف من الحق الذي يعرج عليه منها جزء من أجزاء