ليالي الشهر فإذا نفذ ذلك الزاد رجع إلى أهله فتزود قدر ذلك من جهة أنهم لم يكونوا في سعة بالغة من العيش وكان غالب زادهم اللبن واللحم وذلك لا يدخر منه كفاية الشهور لئلا يسرع إليه الفساد ولا سيما وقد وصف بأنه كان يطعم من يرد عليه قوله حتى فجئه الحق حتى هنا على بابها من انتهاء الغاية أي انتهى توجهه لغار حراء بمجيء الملك فترك ذلك وقوله فجئة بفتح الفاء وكسر الجيم ثم همز أي جاءه الوحي بغتة قاله النووي قال فإنه صلى الله عليه وسلّم لم يكن متوقعا للوحي وفي إطلاق هذا النفي نظر فان الوحي كان جاءه في النوم مرارا قاله شيخنا البلقيني وأسنده إلى ما ذكره بن إسحاق عن عبيد بن عمير أنه وقع له في المنام نظير ما وقع له في اليقظة من الغط والأمر بالقراءة وغير ذلك انتهى وفي كون ذلك يستلزم وقوعه في اليقظة حتى يتوقعه نظر فالأولى ترك الجزم بأحد الأمرين وقوله الحق قال الطيبي أي أمر الحق وهو الوحي أو رسول الحق وهو جبريل وقال شيخنا أي الأمر البين الظاهر أو المراد الملك بالحق أي الأمر الذي بعث به قوله فجاءه الملك تقدم في بدء الوحي الكلام على الفاء التي في قوله فجاءه الملك وأنها التفسيرية وقال شيخنا البلقيني يحتمل أن تكون للتعقيب والمعنى بمجيء الحق انكشاف الحال عن أمر وقع في القلب فجاءه الملك عقبة قال ويحتمل أن تكون سببية أي حتى قضى بمجيء الوحي فبسبب ذلك جاءه الملك قلت وهذا أقرب من الذي قبله وقوله فيه يؤخذ منه رفع توهم من يظن أن الملك لم يدخل إليه الغار بل كلمه والنبي صلى الله عليه وسلّم داخل الغار والملك على الباب وقد عزوت هذه الزيادة في التفسير لدلائل البيهقي تبعا لشيخنا البلقيني ثم وجدتها هنا فكان العزو إليه أولى فألحقت ذلك هناك قال شيخنا البلقيني الملك المذكور هو جبريل كما وقع شاهده في كلام ورقة وكما مضى في حديث جابر أنه الذي جاءه بحراء ووقع في شرح القطب الحلبي الملك هنا هو جبريل قاله السهيلي فتعجب منه شيخنا وقال هذا لا خلاف فيه فلا يحسن عزوه للسهيلي وحده قال واللام في الملك لتعريف الماهية لا للعهد إلا أن يكون المراد به ما عهده النبي صلى الله عليه وسلّم قبل ذلك لما كلمه في صباه أو اللفظ لعائشة وقصدت به ما تعهده من تخاطبه به انتهى وقد قال الإسماعيلي هي عبارة عما عرف بعد أنه ملك وانما الذي في الأصل فجاءه جاء وكان ذلك الجائي ملكا فأخبر صلى الله عليه وسلّم عنه يوم أخبر بحقيقة جنسه وكأن الحامل على ذلك انه لم يتقدم له معرفة به انتهى وقد جاء التصريح بأنه جبريل فأخرج أبو داود الطيالسي في مسنده من طريق أبي عمران الجوني عن رجل عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم اعتكف هو وخديجة فوافق ذلك رمضان فخرج يوما فسمع السلام عليكم قال فظننت أنه من الجن فقال أبشروا فان السلام خير ثم رأى يوما آخر جبريل على الشمس له جناح بالمشرق وجناح بالمغرب قال فهبت منه الحديث وفيه أنه جاءه فكلمه حتى أنس به وظاهره أن جميع ما وقع له كان وهو في الغار لكن وقع في مرسل عبيد بن عمير فأجلسني على درنوك فيه الياقوت واللؤلؤ وهو بضم الدال والنون بينهما راء ساكنة نوع من البسط له خمل وفي مرسل الزهري فأجلسني على مجلس كريم معجب وأفاد شيخنا أن سن النبي صلى الله عليه وسلّم حين جاءه جبريل في حراء كان أربعين سنة على المشهور ثم حكى أقوالا أخرى قيل أربعين يوما وقيل عشرة أيام وقيل شهرين وقيل وسنتين وقيل ثلاثا وقيل خمسا قال وكان ذلك يوم الإثنين نهارا قال واختلف في الشهر فقيل شهر رمضان في سابع عشره وقيل سابعة وقيل رابع عشريه قلت ورمضان هو الراجح لما تقدم من أنه الشهر الذي جاء فيه في حراء فجاءه الملك وعلى هذا يكون سنه حينئذ أربعين سنة وستة أشهر وليس ذلك في الأقوال التي