العلماء إلى أن الخوارج غير خارجين عن جملة المسلمين لقوله يتمارى في الفوق لأن التماري من الشك وإذ وقع الشك في ذلك لم يقطع عليهم بالخروج من الإسلام لأن من ثبت له عقد الإسلام بيقين لم يخرج منه إلا بيقين قال وقد سئل علي عن أهل النهر هل كفروا فقال من الكفر فروا قلت وهذا إن ثبت عن علي حمل على أنه لم يكن اطلع على معتقدهم الذي أوجب تكفيرهم عند من كفرهم وفي احتجاجه بقوله يتمارى في الفوق نظر فان في بعض طرق الحديث المذكور كما تقدمت الإشارة إليه وكما سيأتي لم يعلق منه بشيء وفي بعضها سيق الفرث والدم وطريق الجمع بينهما أنه تردد هل في الفوق شيء أو لاثم تحقق أنه لم يعلق بالسهم ولا بشيء منه من الرمي بشيء ويمكن أن يحمل الاختلاف فيه على اختلاف أشخاص منهم ويكون في قوله يتمارى إشارة إلى أن بعضهم قد يبقى معه من الإسلام شيء قال القرطبي في المفهم والقول بتكفيرهم أظهر في الحديث قال فعلى القول بتكفيرهم يقاتلون ويقتلون وتسبى أموالهم وهو قول طائفة من أهل الحديث في أموال الخوارج وعلى القول بعدم تكفيرهم يسلك بهم مسلك أهل البغي إذا شقوا العصا ونصبوا الحرب فأما من استسر منهم ببدعة فإذا ظهر عليه هل يقتل بعد الاستتابة أو لا يقتل بل يجتهد في رد بدعته اختلف فيه بحسب الاختلاف في تكفيرهم قال وباب التكفير باب خطر ولا نعدل بالسلامة شيئا قال وفي الحديث علم من أعلام النبوة حيث أخبر بما وقع قبل أن يقع وذلك أن الخوارج لما حكموا بكفر من خالفهم استباحوا دمائهم وتركوا أهل الذمة فقالوا نفي لهم بعهدهم وتركوا قتال المشركين واشتغلوا بقتال المسلمين وهذا كله من آثار عبادة الجهال الذين لم تنشرح صدورهم بنور العلم ولم يتمسكوا بحبل وثيق من العلم وكفى أن رأسهم رد على رسول الله صلى الله عليه وسلّم أمره ونسبه إلى الجور نسأل الله السلامة قال بن هبيرة وفي الحديث أن قتال الخوارج أولى من قتال المشركين والحكمة فيه أن في قتالهم حفظ راس مال الإسلام وفي قتال أهل الشرك طلب الربح وحفظ رأس المال أولى وفيه الزجر عن الأخذ بظواهر جميع الآيات القابلة للتأويل التي يفضي القول بظواهرها إلى مخالفة إجماع السلف وفيه التحذير من الغلو في الديانة والتنطع في العبادة بالحمل على النفس فيما لم يأذن فيه الشرع وقد وصف الشارع الشريعة بأنها سهلة سمحة وانما ندب إلى الشدة على الكفار والى الرأفة بالمؤمنين فعكس ذلك الخوارج كما تقدم بيانه وفيه جواز قتال من خرج عن طاعة الامام العادل ومن نصب الحرب فقاتل على اعتقاد فاسد ومن خرج يقطع الطرق ويخيف السبيل ويسعى في الأرض بالفساد وأما من خرج عن طاعة امام جائر أراد الغلبة على ماله أو نفسه أو أهله فهو معذور ولا يحل قتاله وله أن يدفع عن نفسه وماله وأهله بقدر طاقته وسيأتي بيان ذلك في كتاب الفتن وقد أخرج الطبري بسند صحيح عن عبد الله بن الحارث عن رجل من بني نضر عن علي وذكر الخوارج فقال إن خالفوا إماما عدلا فقاتلوهم وإن خالفوا إماما جائرا فلا تقاتلوهم فإن لهم مقالا قلت وعلى ذلك يحمل ما وقع للحسين بن علي ثم لأهل المدينة في الحرة ثم لعبد الله بن الزبير ثم للقراء الذين خرجوا على الحجاج في قصة عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث والله أعلم وفيه ذم استئصال شعر الرأس وفيه نظر لاحتمال أن يكون المراد بيان صفتهم الواقعة لا لإرادة ذمها وترجم أبو عوانة في صحيحه لهذه الأحاديث بيان أن سبب خروج الخوارج كان بسبب الأثرة في القسمة مع كونها كانت صوابا فخفي عنهم ذلك وفيه إباحة قتال الخوارج بالشروط المتقدمة وقتلهم في الحرب وثبوت الأجر لمن قتلهم وفيه أن من المسلمين من يخرج من الدين من غير أن يقصد