ومن ثم كتب إلى اليهود بعد أن دار بينهم الكلام المذكور ويؤخذ منه أن مجرد الدعوى لا توجب إحضار المدعى عليه لأن في احضاره مشغلة عن إشغاله وتضييعا لماله من غير موجب ثابت لذلك أما لو ظهر ما يقوي الدعوى من شبهة ظاهرة فهل يسوغ استحضار الخصم أولا محل نظر والراجح أن ذلك يختلف بالقرب والبعد وشدة الضرر وخفته وفيه الاكتفاء بالمكاتبة وبخبر الواحد مع إمكان المشافهة وفيه أن اليمين قبل توجيهها من الحاكم لا أثر لها لقول اليهود في جوابهم والله ما قتلنا وفي قولهم لا نرضى بأيمان اليهود استبعاد لصدقهم لما عرفوه من إقدامهم على الكذب وجراءتهم على الأيمان الفاجرة واستدل به على أن الدعوى في القسامة لا بد فيها من عداوة أو لوث واختلف في سماع هذه الدعوى ولو لم توجب القسامة فعن أحمد روايتان وبسماعها قال الشافعي لعموم حديث اليمين على المدعى عليه بعد قوله لو يعطى الناس بدعواهم لادعى قوم دماء رجال وأموالهم ولأنها دعوى في حق آدمي فتسمع ويستحلف وقد يقر فيثبت الحق في قتله ولا يقبل رجوعه عنه فلو نكل ردت على المدعي واستحق القود في العمد والدية في الخطأ وعن الحنفية لا ترد اليمين وهي رواية عن أحمد واستدل به على أن المدعين والمدعى عليهم إذا نكلوا عن اليمين وجبت الدية في بيت المال وقد تقدم ما فيه قريبا واستدل به على أن من يحلف في القسامة لا يشترط أن يكون رجلا ولا بالغا لإطلاق قوله خمسين منكم وبه قال ربيعة والثوري والليث والأوزاعي وأحمد وقال مالك لا مدخل للنساء في القسامة لأن المطلوب في القسامة القتل ولا يسمع من النساء وقال الشافعي لا يحلف في القسامة إلا الوارث البالغ لأنها يمين في دعوى حكمية فكانت كسائر الأيمان ولا فرق في ذلك بين الرجل والمرأة واختلف في القسامة هل هي معقولة المعنى فيقاس عليها أو لا والتحقيق أنها معقولة المعنى لكنه خفي ومع ذلك فلا يقاس عليها لأنها لا نظير لها في الأحكام وإذا قلنا أن المبدأ فيها يمين المدعي فقد خرجت عن سنن القياس وشرط القياس أن لا يكون معدولا به عن سنن القياس كشهادة خزيمة تنبيه نبه بن المنير في الحاشية على النكتة في كون البخاري لم يورد في هذا الباب الطريق الدالة على تحليف المدعي وهي مما خالفت فيه القسامة بقية الحقوق فقال مذهب البخاري تضعيف القسامة فلهذا صدر الباب بالأحاديث الدالة على أن اليمين في جانب المدعى عليه وأورد طريق سعيد بن عبيد وهو جار على القواعد وإلزام المدعي البينة ليس من خصوصية القسامة في شيء ثم ذكر حديث القسامة الدال على خروجها عن القواعد بطريق العرض في كتاب الموادعة والجزية فرارا من أن يذكرها هنا فيغلط المستدل بها على اعتقاد البخاري قال وهذا الإخفاء مع صحة القصد ليس من قبيل كتمان العلم قلت الذي يظهر لي أن البخاري لا يضعف القسامة من حيث هي بل يوافق الشافعي في أنه لا قود فيها ويخالفه في أن الذي يحلف فيها هو المدعي بل يرى أن الروايات اختلفت في ذلك في قصة الأنصار ويهود خيبر فيرد المختلف إلى المتفق عليه من أن اليمين على المدعى عليه فمن ثم أورد رواية سعيد بن عبيد في باب القسامة وطريق يحيى بن سعيد في باب آخر وليس في شيء من ذلك تضعيف أصل القسامة والله أعلم وادعى بعضهم أن قوله تحلفون وتستحقون استفهام إنكار واستعظام للجمع بين الأمرين وتعقب بأنهم لم يبدءوا بطلب اليمين حتى يصح الإنكار عليهم وانما هو استفهام تقرير وتشريع .
6503 - قوله أبو بشر إسماعيل بن إبراهيم الأسدي بفتح السين المهملة المعروف بابن علية واسم جده مقسم وهو الثقة المشهور وهو منسوب إلى بني أسد بن خزيمة لأن أصله من مواليهم والحجاج بن أبي عثمان هو