ما وجد من تجاهر بالكفر الشنيع بما جاهر به فرعون حتى أرسلت أنت إليه واعطيت ما أعطيت فإذا كنت انا السبب في حصول هذه الفضائل لك فكيف يسوغ لك ان تلومني قال الطيبي مذهب الجبرية اثبات القدرة لله ونفيها عن العبد أصلا ومذهب المعتزلة بخلافه وكلاهما من الافراط والتفريط على شفا جرف هار والطريق المستقيم القصد فلما كان سياق كلام موسى يؤول إلى الثاني بأن صدر الجملة بحرف الإنكار والتعجب وصرح باسم آدم ووصفه بالصفات التي كل واحدة منها مستقلة في علية عدم ارتكابه المخالفة ثم اسند الإهباط إليه ونفس الاهباط منزلة دون فكأنه قال ما ابعد هذا الانحطاط من تلك المناصب العالية فأجاب آدم بما يقابلها بل ابلغ فصدر الجملة بهمزة الإنكار أيضا وصرح باسم موسى ووصفه بصفات كل واحدة مستقلة في علية عدم الإنكار عليه ثم رتب العلم الازلي على ذلك ثم اتى بهمزة الإنكار بدل كلمة الاستبعاد فكأنه قال تجد في التوراة هذا ثم تلومني قال وفي هذا التقرير تنبيه على تحري قصد الأمور قال وختم النبي صلى الله عليه وسلّم الحديث بقوله فحج آدم موسى تنبيها على أن بعض أمته كالمعتزلة ينكرون القدر فاهتم لذلك وبالغ في الإرشاد قلت ويقرب من هذا ما تقدم في كتاب الإيمان في الرد على المرجئة بحديث بن مسعود رفعه سباب المسلم فسوق وقتاله كفر فلما كان المقام مقام الرد على المرجئة اكتفى به معرضا عما يقتضيه ظاهره من تقوية مذهب الخوارج المكفرين بالذنب اعتمادا على ما تقرر من دفعه في مكانه فكذلك هنا لما كان المراد به الرد على القدرية الذين ينكرون سبق القدر اكتفى به معرضا عما يوهمه ظاهره من تقوية مذهب الجبرية لما تقرر من دفعه في مكانه والله اعلم وفي هذا الحديث عدة من الفوائد غير ما تقدم قال القاضي عياض ففيه حجة لأهل السنة في ان الجنة التي اخرج منها آدم هي جنة الخلد التي وعد المتقون ويدخلونها في الآخرة خلافا لمن قال من المعتزلة وغيرهم انها جنة أخرى ومنهم من زاد على ذلك فزعم انها كانت في الأرض وقد سبق الكلام على ذلك في أواخر كتاب الرقاق وفيه إطلاق العموم وإرادة الخصوص في قوله اعطاك علم كل شيء والمراد به كتابه المنزل عليه وكل شيء يتعلق به وليس المراد عمومه لأنه قد أقر الخضر على قوله واني على علم من علم الله لا تعلمه أنت وقد مضى واضحا في تفسير سورة الكهف وفيه مشروعية الحجج في المناظرة لإظهار طلب الحق وإباحة التوبيخ والتعريض في اثناء الحجاج ليتوصل إلى ظهور الحجة وان اللوم على من ايقن وعلم أشد من اللوم على من لم يحصل له ذلك وفيه مناظرة العالم من هو أكبر منه والابن أباه ومحل مشروعية ذلك إذا كان لإظهار الحق أو الازدياد من العلم والوقوف على حقائق الأمور وفيه حجة لأهل السنة في اثبات القدر وخلق افعال العباد وفيه انه يغتفر للشخص في بعض الأحوال مالا يغتفر في بعض كحالة الغضب والاسف وخصوصا ممن طبع على حدة الخلق وشدة الغضب فإن موسى عليه السلام لما غلبت عليه حالة الإنكار في المناظرة خاطب آدم مع كونه والده باسمه مجردا وخاطبه بأشياء لم يكن ليخاطب بها في غير تلك الحالة ومع ذلك فأقره على ذلك وعدل إلى معارضته فيما ابداه من الحجة في دفع شبهته