طائفة إلى عدم المؤاخذة بذلك أصلا ونقل عن نص الشافعي ويؤيده ما وقع في حديث خريم بن فاتك المنبه عليه قبل فإنه حيث ذكر الهم بالحسنة قال علم الله أنه اشعرها قلبه وحرص عليها وحيث ذكر الهم بالسيئة لم يقيد بشيء بل قال فيه ومن هم بسيئة لم تكتب عليه والمقام مقام الفضل فلا يليق التحجير فيه وذهب كثير من العلماء إلى المؤاخذة بالعزم المصمم وسأل بن المبارك سفيان الثوري أيؤاخذ العبد بما يهم به قال إذا جزم بذلك واستدل كثير منهم بقوله تعالى ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم وحملوا حديث أبي هريرة الصحيح المرفوع ان الله تجاوز لامتي عما حدثت به أنفسها ما لم تعمل به أو تكلم على الخطرات كما تقدم ثم افترق هؤلاء فقالت طائفة يعاقب عليه صاحبه في الدنيا خاصة بنحو الهم والغم وقالت طائفة بل يعاقب عليه يوم القيامة لكن بالعتاب لا بالعذاب وهذا قول بن جريج والربيع بن أنس وطائفة ونسب ذلك إلى بن عباس أيضا واستدلوا بحديث النجوى الماضي شرحه في باب ستر المؤمن على نفسه من كتاب الأدب واستثنى جماعة ممن ذهب إلى عدم مؤاخذة من وقع منه الهم بالمعصية ما يقع في الحرم المكي ولو لم يصمم لقوله تعالى ومن يرد فيه بالحاد بظلم نذقه من عذاب اليم ذكره السدى في تفسيره عن مرة عن بن مسعود وأخرجه احمد من طريقه مرفوعا ومنهم من رجحه موقوفا ويؤيد ذلك أن الحرم يجب اعتقاد تعظيمه فمن هم بالمعصية فيه خالف الواجب بانتهاك حرمته وتعقب هذا البحث بأن تعظيم الله آكد من تعظيم الحرم ومع ذلك فمن هم بمعصيته لا يؤاخذه فكيف يؤاخذ بما دونه ويمكن أن يجاب عن هذا بأن انتهاك حرمة الحرم بالمعصية تستلزم انتهاك حرمة الله لأن تعظيم الحرم من تعظيم الله فصارت المعصية في الحرم أشد من المعصية في غيره وان اشترك الجميع في ترك تعظيم الله تعالى نعم من هم بالمعصية قاصدا الاستخفاف بالحرم وعصى ومن هم بمعصية الله قاصدا الاستخفاف بالله كفر وانما المعفو عنه من هم بمعصية ذاهلا عن قصد الاستخفاف وهذا تفصيل جيد ينبغي ان يستحضر عند شرح حديث لا يزني الزاني وهو مؤمن وقال السبكي الكبير الهاجس لا يؤاخذ به إجماعا والخاطر وهو جريان ذلك الهاجس وحديث النفس لا يؤاخذ بهما للحديث المشار إليه والهم وهو قصد فعل المعصية مع التردد لا يؤاخذ به لحديث الباب والعزم وهو قوة ذلك القصد أو الجزم به ورفع التردد قال المحققون يؤاخذ به وقال بعضهم لا واحتج بقول أهل اللغة هم بالشيء عزم عليه وهذا لا يكفي قال ومن أدلة الأول حديث إذا التقى المسلمان بسيفيهما الحديث وفيه أنه كان حريصا على قتل صاحبه فعلل بالحرص واحتج بعضهم بأعمال القلوب ولا حجة معه لأنها على قسمين أحدهما لا يتعلق بفعل خارجي وليس البحث فيه والثاني يتعلق بالملتقيين عزم كل منهما على قتل صاحبه واقترن بعزمه فعل بعض ما عزم عليه وهو شهر السلاح واشارته به إلى الاخر فهذا الفعل يؤاخذ به سواء حصل القتل أم لا انتهى ولا يلزم من قوله فالقاتل والمقتول في النار أن يكونا في درجة واحدة من العذاب بالاتفاق قوله فان هو هم بها فعملها كتبها الله له سيئة واحدة في رواية الأعرج فاكتبوها له بمثلها وزاد مسلم في حديث أبي ذر فجزاؤه بمثلها أو اغفر وله في آخر حديث أبن عباس أو يمحوها والمعنى أن الله يمحوها بالفضل أو بالتوبة أو بالاستغفار أو بعمل الحسنة التي تكفر السيئة والأول اشبه لظاهر حديث أبي ذر وفيه رد لقول من ادعى أن الكبائر لا تغفر الا بالتوبة ويستفاد من التأكيد بقوله واحدة ان السيئة لا تضاعف كما تضاعف الحسنة وهو على وفق قوله تعالى فلا يجزى الا