المنهيات واستثنوا من ذلك ما إذا كانت النعمة لكافر أو فاسق يستعين بها على معاصي الله تعالى فهذا حكم الحسد بحسب حقيقته وأما الحسد المذكور في الحديث فهو الغبطة وأطلق الحسد عليها مجازا وهي أن يتمنى أن يكون له مثل ما لغيره من غير أن يزول عنه والحرص على هذا يسمى منافسة فإن كان في الطاعة فهو محمود ومنه فليتنافس المتنافسون وإن كان في المعصية فهو مذموم ومنه ولا تنافسوا وإن كان في الجائزات فهو مباح فكأنه قال في الحديث لا غبطة أعظم أو أفضل من الغبطة في هذين الامرين ووجه الحصر أن الطاعات أما بدنية أو مالية أو كائنة عنهما وقد أشار إلى البدنية بإتيان الحكمة والقضاء بها وتعليمها ولفظ حديث بن عمر رجل أتاه الله القرآن فهو يقوم به آناء الليل وآناء النهار والمراد بالقيام به العمل به مطلقا أعم من تلاوته داخل الصلاة أو خارجها ومن تعليمه والحكم والفتوى بمقتضاه فلا تخالف بين لفظي الحديثين ولأحمد من حديث يزيد بن الأخنس السلمي رجل آتاه الله القرآن فهو يقوم به آناء الليل وآناء النهار ويتبع ما فيه ويجوز حمل الحسد في الحديث على حقيقته على أن الاستثناء منقطع والتقدير نفى الحسد مطلقا لكن هاتان الخصلتان محمودتان ولا حسد فيهما فلا حسد أصلا قوله الا في اثنتين كذا في معظم الروايات اثنتين بتاء التأنيث أي لا حسد محمود في شيء الا في خصلتين وعلى هذا فقوله رجل بالرفع والتقدير خصلة رجل حذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه وللمصنف في الاعتصام الا في اثنين وعلى هذا فقوله رجل بالخفض على البدلية أي خصلة رجلين ويجوز النصب بإضمار أعني وهي رواية بن ماجة قوله مالا نكره ليشمل القليل والكثير قوله فسلط كذا لأبي ذر وللباقين فسلطه وعبر بالتسليط لدلالته على قهر النفس المجبولة على الشح قوله هلكته بفتح اللام والكاف أي اهلاكه وعبر بذلك ليدل على أنه لا يبقى منه شيئا وكمله بقوله في الحق أي في الطاعات ليزيل عنه إيهام الإسراف المذموم قوله الحكمة اللام للعهد لأن المراد بها القرآن على ما أشرنا إليه قبل وقيل المراد بالحكمة كل ما منع من الجهل وزجر عن القبيح فائدة زاد أبو هريرة في هذا الحديث ما يدل على أن المراد بالحسد المذكور هنا الغبطة كما ذكرناه ولفظه فقال رجل ليتني أوتيت مثل ما أوتي فلان فعملت مثل ما يعمل أورده المصنف في فضائل القرآن وعند الترمذي من حديث أبي كبشة الأنماري بفتح الهمزة واسكان النون أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلّم يقول فذكر حديثا طويلا فيه استواء العامل في المال بالحق والمتمنى في الأجر ولفظه وعبد رزقه الله علما ولم يرزقه مالا فهو صادق النية يقول لو أن لي مالا لعملت مثل ما يعمل فلان فاجرهما سواء وذكر في ضدهما أنهما في الوزر سواء وقال فيه حديث حسن صحيح وإطلاق كونهما سواء يرد على الخطابي في جزمه بأن الحديث يدل على أن الغني إذا قام بشروط المال كان أفضل من الفقير نعم يكون أفضل بالنسبة إلى من أعرض ولم يتمن لكن الأفضلية المستفادة منه هي بالنسبة إلى هذه الخصلة فقط لا مطلقا وسيكون لنا عودة إلى البحث في هذه المسألة في حديث الطاعم الشاكر كالصائم الصابر حيث ذكره المؤلف في كتاب الأطعمة إن شاء الله تعالى