مجازا والمراد شهادة الملك الموكل به ويؤخذ من الحديث التمثيل لثلاثة أصناف لان الماشية إذا رعت الخضر للتغذية اما أن تقتصر منه على الكفاية واما أن تستكثر الأول الزهاد والثاني اما أن يحتال على إخراج ما لو بقى لضر فإذا أخرجه زال الضر واستمر النفع واما ان يهمل ذلك الأول العاملون في جميع الدنيا بما يجب من امساك وبذل والثاني العاملون في ذلك بخلاف ذلك وقال الطيبي يؤخذ منه أربعة أصناف فمن أكل منه أكل مستلذ مفرط منهمك حتى تنتفخ أضلاعه ولا يقلع فيسرع إليه الهلاك ومن أكل كذلك لكنه أخذ في الاحتيال لدفع الداء بعد أن استحكم فغلبه فأهلكه ومن أكل كذلك لكنه بادر إلى إزالة ما يضره وتحيل في دفعه حتى انهضم فيسلم ومن أكل غير مفرط ولا منهمك وانما اقتصر على ما يسد جوعته ويمسك رمقه فالأول مثال الكافر والثاني مثال العاصي الغافل عن الاقلاع والتوبة الا عند فوتها والثالث مثال للمخلط المبادر للتوبة حيث تكون مقبولة والرابع مثال الزاهد في الدنيا الراغب في الآخرة وبعضها لم يصرح به في الحديث وأخذه منه محتمل وقوله فنعم المعونة كالتذييل للكلام المتقدم وفيه حذف تقديره ان عمل فيه بالحق وفيه إشارة إلى عكسه وهو بئس الرفيق هو لمن عمل فيه بغير الحق وقوله كالذي يأكل ولا يشبع ذكر في مقابلة فنعم المعونة هو وقوله ويكون شهيدا عليه أي حجة يشهد عليه بحرصه واسرافه وانفاقه فيما لا يرضى الله وقال الزين بن المنير في هذا الحديث وجوه من التشبيهات بديعة أولها تشبيه المال ونموه بالنبات وظهوره ثانيها تشبيه المنهمك في الاكتساب والاسباب بالبهائم المنهمكة في الاعشاب وثالثها تشبيه الاستكثار منه والادخار له بالشره في الأكل والامتلاء منه ورابعها تشبيه الخارج من المال مع عظمته في النفوس حتى أدى إلى المبالغة في البخل به بما تطرحه البهيمة من السلح ففيه إشارة بديعة إلى استقذاره شرعا وخامسها تشبيه المتقاعد عن جمعه وضمه بالشاة إذا استراحت وحطت جانبها مستقبلة عين الشمس فإنها من أحسن حالاتها سكونا وسكينة وفيه إشارة إلى ادراكها لمصالحها وسادسها تشبيه موت الجامع المانع بموت البهيمة الغافلة عن دفع ما يضرها وسابعها تشبيه المال بالصاحب الذي لا يؤمن أن ينقلب عدوا فإن المال من شأنه أن يحرز ويشد وثاقه حبا له وذلك يقتضي منعه من مستحقه فيكون سببا لعقاب مقتنيه وثامنها تشبيه آخذه بغير حق بالذي يأكل ولا يشبع وقال الغزالي مثل المال مثل الحية التي فيها ترياق نافع وسم ناقع فإن أصابها العارف الذي يحترز عن شرها ويعرف استخراج ترياقها كان نعمة وان أصابها الغبي فقد لقى البلاء المهلك وفي الحديث جلوس الامام على المنبر عند الموعظة في غير خطبة الجمعة ونحوها وفيه جلوس الناس حوله والتحذير من المنافسة في الدنيا وفيه استفهام العالم عما يشكل وطلب الدليل لدفع المعارضة وفيه تسمية المال خيرا ويؤيده قوله تعالى وانه لحب الخير لشديد وفي قوله تعالى ان ترك خيرا وفيه ضرب المثل بالحكمة وان وقع في اللفظ ذكر ما يستهجن كالبول فإن ذلك يغتفر لما يترتب على ذكره من المعاني اللائقة بالمقام وفيه أنه صلى الله عليه وسلّم كان ينتظر الوحي عند إرادة الجواب عما يسئل عنه وهذا على ما ظنه الصحابة ويجوز أن يكون سكوته ليأتي بالعبارة الوجيزة الجامعة المفهمة وقد عد بن دريد هذا الحديث وهو قوله ان مما ينبت الربيع يقتل حبطا أو يلم من الكلام المفرد الوجيز الذي لم يسبق صلى الله عليه وسلّم إلى معناه وكل من وقع شيء منه في كلامه فإنما أخذه منه ويستفاد منه ترك العجلة في الجواب إذا كان يحتاج إلى التأمل وفيه لوم من ظن به تعنت في السؤال وحمد من أجاد فيه