فهم دائبون في شكره معترفون له بالتقصير انتهى ومحصل جوابه ان الاستغفار من التقصير في أداء الحق الذي يجب لله تعالى ويحتمل ان يكون لاشتغاله بالأمور المباحة من أكل أو شرب أو جماع أو نوم أو راحة أو لمخاطبة الناس والنظر في مصالحهم ومحاربة عدوهم تارة ومداراته أخرى وتأليف المؤلفة وغير ذلك مما يحجبه عن الاشتغال بذكر الله والتضرع إليه ومشاهدته ومراقبته فيرى ذلك ذنبا بالنسبة إلى المقام العلي وهو الحضور في حظيرة القدس ومنها ان استغفاره تشريع لامته أو من ذنوب الأمة فهو كالشفاعة لهم وقال الغزالي في الاحياء كان صلى الله عليه وسلّم دائم الترقي فإذا ارتقى إلى حال رأى ما قبلها دونها فاستغفر من الحالة السابقة وهذا مفرع على ان العدد المذكور في استغفاره كان مفرقا بحسب تعدد الأحوال وظاهر ألفاظ الحديث يخالف ذلك وقال الشيخ السهروردي لما كان روح النبي صلى الله عليه وسلّم لم يزل في الترقي إلى مقامات القرب يستتبع القلب والقلب يستتبع النفس ولا ريب ان حركة الروح والقلب أسرع من نهضة النفس فكانت خطا النفس تقصر عن مداهما في العروج فاقتضت الحكمة ابطاء حركة القلب لئلا تنقطع علاقة النفس عنه فيبقى العباد محرومين فكان صلى الله عليه وسلّم يفزع إلى الاستغفار لقصور النفس عن شأو ترقى القلب والله اعلم .
( قوله باب التوبة أشار ) .
المصنف بإيراد هذين البابين وهما الاستغفار ثم التوبة في أوائل كتاب الدعاء إلى ان الإجابة تسرع إلى من لم يكن متلبسا بالمعصية فإذا قدم التوبة والاستغفار قبل الدعاء كان أمكن لاجابته