يتصور فيه ذلك المعنى فمهما وجد المعنى فيه ألحق به في الحكم قال بن بطال وكلما كثر الجماعة مع الذي لا يناجي كان أبعد لحصول الحزن ووجود التهمة فيكون أولى واختلف فيما إذا انفرد جماعة بالتناجي دون جماعة قال بن التين وحديث عائشة في قصة فاطمة دال على الجواز ثم ذكر المصنف حديث بن مسعود في قصة الذي قال هذه قسمة ما أريد بها وجه الله والمراد منه قول بن مسعود فأتيته وهو في ملأ فساررته فان في ذلك دلالة على أن المنع يرتفع إذا بقي جماعة لا يتأذون بالسرار ويستثنى من أصل الحكم ما إذا أذن من يبقى سواء كان واحدا أم أكثر للاثنين في التناجي دونه أو دونهم فان المنع يرتفع لكونه حق من يبقى وأما إذا انتجى اثنان ابتداء وثم ثالث كان بحيث لا يسمع كلامهما لو تكلما جهرا فأتى ليستمع عليهما فلا يجوز كما لو لم يكن حاضرا معهما أصلا وقد اخرج المصنف في الأدب المفرد من رواية سعيد المقبري قال مررت على بن عمر ومعه رجل يتحدث فقمت إليهما فلطم صدري وقال إذا وجدت اثنين يتحدثان فلا تقم معهما حتى تستأذنهما زاد أحمد في روايته من وجه آخر عن سعيد وقال أما سمعت أن النبي صلى الله عليه وسلّم قال إذا تناجى اثنان فلا يدخل معهما غيرهما حتى يستأذنهما قال بن عبد البر لا يجوز لأحد أن يدخل على المتناجيين في حال تناجيهما قلت ولا ينبغي لداخل القعود عندهما ولو تباعد عنهما الا باذنهما لما افتتحا حديثهما سرا وليس عندهما أحد دل على أن مرادهما الا يطلع أحد على كلامهما ويتأكد ذلك إذا كان صوت أحدهما جهوريا لا يتأتى له اخفاء كلامه ممن حضره وقد يكون لبعض الناس قوة فهم بحيث إذا سمع بعض الكلام استدل به على باقيه فالمحافظة على ترك ما يؤذي المؤمن مطلوبة وان تفاوتت المراتب وقد أخرج سفيان بن عيينة في جامعه عن يحيى بن سعيد عن القاسم بن محمد قال قال بن عمر في زمن الفتنة الا ترون القتل شيئا ورسول الله صلى الله عليه وسلّم يقول فذكر حديث الباب وزاد في آخره تعظيما لحرمة المسلم وأظن هذه الزيادة من كلام بن عمر استنبطها من الحديث فأدرجت في الخبر والله أعلم قال النووي النهي في الحديث للتحريم إذا كان بغير رضاه وقال في موضع آخر الا بإذنه أي صريحا كان أو غير صريح والاذن أخص من الرضا لأن الرضا قد يعلم بالقرينة فيكتفى بها عن التصريح والرضا أخص من الإذن من وجه آخر لأن الإذن قد يقع مع الإكراه ونحوه والرضا لا يطلع على حقيقته لكن الحكم لا يناط الا بالاذن الدال على الرضا وظاهر الإطلاق أنه لا فرق في ذلك بين الحضر والسفر وهو قول الجمهور وحكى الخطابي عن أبي عبيد بن حربويه أنه قال هو مختص بالسفر في الموضع الذي لا يأمن فيه الرجل على نفسه فأما في الحضر وفي العمارة فلا بأس وحكى عياض نحوه ولفظه قيل أن المراد بهذا الحديث السفر والمواضع التي لا يأمن فيها الرجل رفيقه أو لا يعرفه أو لا يثق به ويخشى منه قال وقد روى في ذلك أثر وأشار بذلك إلى ما أخرجه أحمد من طريق أبي سالم الجيشاني عن عبد الله بن عمرو أن النبي صلى الله عليه وسلّم قال ولا يحل لثلاثة نفر يكونون بأرض فلاة أن يتناجى اثنان دون صاحبهما الحديث وفي سنده بن لهيعة وعلى تقدير ثبوته فتقييده بأرض الفلاة يتعلق بإحدى علتى النهي قال الخطابي انما قال يحزنه لأنه اما أن يتوهم أن نجواهما إنما هي لسوء رأيهما فيه أو أنهما يتفقان على غائلة تحصل له منهما قلت فحديث الباب يتعلق بالمعنى الأول وحديث عبد الله بن عمرو يتعلق بالثاني وعلى هذا المعنى عول بن حربويه وكأنه ما استحضر الحديث الأول قال عياض قيل كان هذا في أول الإسلام فلما فشا الإسلام وأمن الناس سقط هذا الحكم وتعقبه القرطبي