ويوافقه قول المهلب إن المار في حكم الداخل وذكر الماوردي أن من مشى في الشوارع المطروقة كالسوق أنه لا يسلم إلا على البعض لأنه لو سلم على كل من لقي لتشاغل به عن المهم الذي خرج لأجله ولخرج به عن العرف قلت ولا يعكر على هذا ما أخرجه البخاري في الأدب المفرد عن الطفيل بن أبي بن كعب قال كنت أغدو مع بن عمر إلى السوق فلا يمر على بياع ولا أحد إلا سلم عليه فقلت ما تصنع بالسوق وأنت لا تقف على البيع ولا تسأل عن السلع قال إنما نغدو من أجل السلام على من لقينا لأن مراد الماوردي من خرج في حاجة له فتشاغل عنها بما ذكر والأثر المذكور ظاهر في أنه خرج لقصد تحصيل ثواب السلام وقد تكلم العلماء على الحكمة فيمن شرع لهم الإبتداء فقال بن بطال عن المهلب تسليم الصغير لأجل حق الكبير لأنه أمر بتوقيره والتواضع له وتسليم القليل لأجل حق الكثير لأن حقهم أعظم وتسليم المار لشبهه بالداخل على أهل المنزل وتسليم الراكب لئلا يتكبر بركوبه فيرجع إلى التواضع وقال بن العربي حاصل ما في هذا الحديث أن المفضول بنوع ما يبدأ الفاضل وقال المازري أما أمر الراكب فلأن له مزية على الماشي فعوض الماشي بأن يبدأه الراكب بالسلام احتياطا على الراكب من الزهو أن لو حاز الفضيلتين وأما الماشي فلما يتوقع القاعد منه من الشر ولا سيما إذا كان راكبا فإذا ابتدأه بالسلام أمن منه ذلك وأنس إليه أو لأن في التصرف في الحاجات إمتهانا فصار للقاعد مزية فأمر بالابتداء أو لأن القاعد يشق عليه مراعاة المارين مع كثرتهم فسقطت البداءة عنه للمشقة بخلاف المار فلا مشقة عليه وأما القليل فلفضيلة الجماعة أو لأن الجماعة لو ابتدءوا لخيف على الواحد الزهو فاحتيط له ولم يقع تسليم الصغير على الكبير في صحيح مسلم وكأنه لمراعاة السن فإنه معتبر في أمور كثيرة في الشرع فلو تعارض الصغر المعنوي والحسي كأن يكون الأصغر أعلم مثلا فبه نظر ولم أر فيه نقلا والذي يظهر إعتبار السن لأنه الظاهر كما تقدم الحقيقة على المجاز ونقل بن دقيق العيد عن بن رشد أن محل الأمر في تسليم الصغير على الكبير إذا التقيا فإن كان أحدهما راكبا والاخر ماشيا بدأ الراكب وان كانا راكبين أو ماشيين بدأ الصغير وقال المازري وغيره هذه المناسبات لا يعترض عليها بجزئيات تخالفها لأنها لم تنصب نصب العلل الواجبة الإعتبار حتى لا يجوز أن يعدل عنها حتى لو ابتدأ الماشي فسلم على الراكب لم يمتنع لأنه ممتثل للأمر بإظهار السلام وإفشائه غير أن مراعاة ما ثبت في الحديث أولى وهو خبر بمعنى الأمر على سبيل الإستحباب ولا يلزم من ترك المستحب الكراهة بل يكون خلاف الأولى فلو ترك المأمور بالابتداء فبدأه الآخر كان المأمور تاركا للمستحب والآخر فاعلا للسنة إلا إن بادر فيكون تاركا للمستحب أيضا وقال المتولي لو خالف الراكب أو الماشي ما دل عليه الخبر كره قال والوارد يبدأ بكل حال وقال الكرماني لو جاء أن الكبير يبدأ الصغير والكثير يبدأ القليل لكان مناسبا لأن الغالب أن الصغير يخاف من الكبير والقليل من الكثير فإذا بدأ الكبير والكثير أمن منه الصغير والقليل لكن لما كان من شأن المسلمين أن يأمن بعضهم بعضا اعتبر جانب التواضع كما تقدم وحيث لا يظهر رجحان أحد الطرفين باستحقاقه التواضع له اعتبر الاعلام بالسلامة والدعاء له رجوعا إلى ما هو الأصل فلو كان المشاة كثيرا والقعود قليلا تعارضا ويكون الحكم حكم اثنين تلاقيا معا فأيهما بدأ فهو أفضل ويحتمل ترجيح جانب الماشي كما تقدم والله أعلم