وقيل منهم قلت وأظن المصنف لمح بذكر الآية إلى قصة كعب بن مالك وما أداء صدقه في الحديث إلى الخير الذي ذكره في الآية بعد أن وقع له ما وقع من ترك المسلمين كلامه تلك المدة حتى ضاقت عليه الأرض بما رحبت ثم من الله عليه بقبول توبته وقال في قصته ما أنعم الله علي من نعمة بعد إذ هداني للإسلام أعظم في نفسي من صدقي أن لا أكون كذبت فأهلك كما هلك الذين كذبوا وقال الغزالي الكذب من قبائح الذنوب وليس حراما لعينه بل لما فيه من الضرر ولذلك يؤذن فيه حيث يتعين طريقا إلى المصلحة وتعقب بأنه يلزم أن يكون الكذب إذا لم ينشأ عنه ضرر مباحا وليس كذلك ويمكن الجواب بأنه يمنع من ذلك حسما للمادة فلا يباح منه إلا ما يترتب عليه مصلحة فقد أخرج البيهقي في الشعب بسند صحيح عن أبي بكر الصديق قال الكذب بجانب الإيمان وأخرجه عنه مرفوعا وقال الصحيح موقوف وأخرج البزار من حديث سعد بن أبي وقاص رفعه قال يطبع المؤمن على كل شيء إلا الخيانة والكذب وسنده قوي وذكر الدارقطني في العلل أن الأشبه أنه موقوف وشاهد المرفوع من مرسل صفوان بن سليم في الموطأ قال بن التين ظاهره يعارض حديث بن مسعود والجمع بينهما حمل حديث صفوان على المؤمن الكامل .
5743 - قوله جرير هو بن عبد الحميد ومنصور هو بن المعتمر وأما جرير المذكور في ثالث أحاديث الباب فهو بن حازم قوله إن الصدق يهدي بفتح أوله من الهداية وهي الدلالة الموصلة إلى المطلوب هكذا وقع أول الحديث من رواية منصور عن أبي وائل ووقع في أوله من رواية الأعمش عن أبي وائل عند مسلم وأبي داود والترمذي عليكم بالصدق فإن الصدق وفيه وإياكم والكذب فإن الكذب الخ قوله إلى البر بكسر الموحدة أصله التوسع في فعل الخير وهو اسم جامع للخيرات كلها ويطلق على العمل الخالص الدائم قوله وإن البر يهدي إلى الجنة قال بن بطال مصداقه في كتاب الله تعالى ان الأبرار لفي نعيم قوله وان الرجل ليصدق زاد في رواية الأعمش ويتحرى الصدق وكذا زادها في الشق الثاني قوله حتى يكون صديقا في رواية الأعمش حتى يكتب عند الله صديقا قال بن بطال المراد أنه يتكرر منه الصدق حتى يستحق اسم المبالغة في الصدق قوله ان الكذب يهدي إلى الفجور قال الراغب أصل الفجر الشق فالفجور شق ستر الديانة ويطلق على الميل إلى الفساد وعلى الانبعاث في المعاصي وهو اسم جامع للشر قوله ان الرجل ليكذب حتى يكتب في رواية الكشميهني يكون وهو وزن الأول والمراد بالكتابة الحكم عليه بذلك وإظهاره للمخلوقين من الملأ الأعلى وإلقاء ذلك في قلوب أهل الأرض وقد ذكره مالك بلاغا عن بن مسعود وزاد فيه زيادة مفيدة ولفظه لا يزال العبد يكذب ويتحرى الكذب فينكت في قلبه نكتة سوداء حتى يسود قلبه فيكتب عند الله من الكاذبين قال النووي قال العلماء في هذا الحديث حث على تحري الصدق وهو قصده والاعتناء به وعلى التحذير من الكذب والتساهل فيه فإنه إذا تساهل فيه كثر منه فيعرف به قلت والتقييد بالتحري وقع في رواية أبي الأحوص عن منصور بن المعتمر عند مسلم ولفظه وإن العبد ليتحرى الصدق وكذا قال في الكذب وعنده أيضا في رواية الأعمش عن شقيق وهو أبو وائل وأوله عنده عليكم بالصدق وفيه وما يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق وقال فيه وما يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب فذكره وفي هذه الزيادة إشارة إلى أن من توقى الكذب بالقصد الصحيح إلى الصدق صار له الصدق سجية حتى يستحق الوصف به وكذلك عكسه وليس المراد أن الحمد والذم فيهما يختص بمن يقصد إليهما