كل أمتي يتركون في الغيبة الا المجاهرون والعفو بمعنى الترك وفيه معنى النفي كقوله ويأبى الله الا أن يتم نوره والمجاهر الذي أظهر معصيته وكشف ما ستر الله عليه فيحدث بها وقد ذكر النووي أن من جاهر بفسقه أو بدعته جاز ذكره بما جاهر به دون ما لم يجاهر به أه والمجاهر في هذا الحديث يحتمل أن يكون من جاهر بكذا بمعنى جهر به والنكتة في التعبير بفاعل إرادة المبالغة ويحتمل أن يكون على ظاهر المفاعلة والمراد الذين يجاهر بعضهم بعضا بالتحدث بالمعاصي وبقية الحديث توكد الاحتمال الأول قوله وإن من المجاهرة كذا لابن السكن والكشميهني وعليه شرح بن بطال وللباقين المجانة بدل المجاهرة ووقع في رواية يعقوب بن إبراهيم بن سعد وأن من الاجهار كذا عند مسلم وفي رواية له الجهار وفي رواية الإسماعيلي الاهجار وفي رواية لأبي نعيم في المستخرج وان من الهجار فتحصلنا على أربعة أشهرها الجهار ثم تقديم الهاء وبزيادة ألف قبل كل منهما قال الإسماعيلي لا أعلم أني سمعت هذه اللفظة في شيء من الحديث يعني إلا في هذا الحديث وقال عياض وقع للعذرى والسجزي في مسلم الاجهار وللفارسي الاهجار وقال في آخره وقال زهير الجهار هذه الروايات من طريق بن سفيان وبن أبي ماهان عن مسلم وفي أخرى عن بن سفيان في رواية زهير الهجار قال عياض الجهار والاجهار والمجاهرة كله صواب بمعنى الظهور والاظهار يقال جهر وأجهر بقوله وقراءته إذا أظهر وأعلن لأنه راجع لتفسير قوله أولا الا المجاهرون قال وأما المجانة فتصحيف وإن كان معناها لا يبعد هنا لأن الماجن هو الذي يستهتر في أموره وهو الذي لا يبالي بما قال وما قيل له قلت بل الذي يظهر رجحان هذه الرواية لأن الكلام المذكور بعده لا يرتاب أحد أنه من المجاهرة فليس في إعادة ذكره كبير فائدة وأما الرواية بلفظ المجانة فتفيد معنى زائدا وهو أن الذي يجاهر بالمعصية يكون من جملة المجان والمجانة مذمومة شرعا وعرفا فيكون الذي يظهر المعصية قد أرتكب محذورين إظهار المعصية وتلبسه بفعل المجان قال عياض وأم الاهجار فهو الفحش والخناء وكثرة الكلام وهو قريب من معنى المجانة يقال أهجر في كلامه وكأنه أيضا تصحيف من الجهار أو الاجهار وإن كان المعنى لا يبعد أيضا هنا وأما لفظ الهجار فبعيد لفظا ومعنى لأن الهجار الحبل أو الوتر تشد به يد البعير أو الحلقة التي يتعلم فيها الطعن ولا يصح له هنا معنى والله أعلم قلت بل له معنى صحيح أيضا فإنه يقال هجر وأهجر إذا أفحش في كلامه فهو مثل جهر وأجهر فما صح في هذا صح في هذا ولا يلزم من استعمال الهجار بمعنى الحبل أو غيره أن لا يستعمل مصدرا من الهجر بضم الهاء قوله البارحة هي أقرب ليلة مضت من وقت القول تقول لقيته البارحة وأصلها من برح إذا زال وورد في الأمر بالستر حديث ليس على شرط البخاري وهو حديث بن عمر رفعه اجتنبوا هذه القاذورات التي نهى الله عنها فمن ألم بشيء منها فليستتر بستر الله الحديث أخرجه الحاكم وهو في الموطأ من مرسل زيد بن أسلم قال بن بطال في الجهر بالمعصية استخفاف بحق الله ورسوله وبصالحي المؤمنين وفيه ضرب من العناد لهم وفي الستر بها السلامة من الاستخفاف لأن المعاصي تذل أهلها ومن إقامة الحد عليه إن كان فيه حد ومن التعزير إن لم يوجب حدا وإذا تمحض حق الله فهو أكرم الأكرمين ورحمته سبقت غضبه فلذلك إذا ستره في الدنيا لم يفضحه في الآخرة والذي يجاهر يفوته جميع ذلك وبهذا يعرف موقع إيراد حديث النجوي عقب حديث الباب وقد استشكلت مطابقته للترجمة من جهة أنها معقودة لستر المؤمن على نفسه والذي في الحديث ستر الله على المؤمن والجواب أن الحديث مصرح بذم من جاهر بالمعصية فيستلزم