الإستدلال النهي عن الظن بالمسلم شرا فإذا باع شيئا حمل على ظاهره الذي وقع العقد به ولم يبطل بمجرد توهم أنه سلك به مسلك الحيلة ولا يخفى ما فيه وأما وصف الظن بكونه أكذب الحديث مع أن تعمد الكذب الذي لا يستند إلى ظن أصلا أشد من الأمر الذي يستند إلى الظن فللإشارة إلى أن الظن المنهي عنه هو الذي لا يستند إلى شيء يجوز الاعتماد عليه فيعتمد عليه ويجعل أصلا ويجزم به فيكون الجازم به كاذبا وإنما صار أشد من الكاذب لأن الكذب في أصله مستقبح مستغنى عن ذمه بخلاف هذا فإن صاحبه بزعمه مستند إلى شيء فوصف بكونه أشد الكذب مبالغة في ذمه والتنفير منه وإشارة إلى أن الاغترار به أكثر من الكذب المحض لخفائه غالبا ووضوح الكذب المحض قوله فإن الظن أكذب الحديث قد استشكلت تسمية الظن حديثا وأجيب بأن المراد عدم مطابقة الواقع سواء كان قولا أو فعلا ويحتمل أن يكون المراد ما ينشأ عن الظن فوصف الظن به مجازا قوله ولا تحسسوا ولا تجسسوا إحدى الكلمتين بالجيم والأخرى بالحاء المهملة وفي كل منهما حذف إحدى التاءين تخفيفا وكذا في بقية المناهي التي في حديث الباب والأصل تتحسسوا قال الخطابي معناه لا تبحثوا عن عيوب الناس ولا تتبعوها قال الله تعالى حاكيا عن يعقوب عليه السلام اذهبوا فتحسسوا من يوسف وأخيه وأصل هذه الكلمة التي بالمهملة من الحاسة إحدى الحواس الخمس وبالجيم من الجس بمعنى اختبار الشيء باليد وهي إحدى الحواس فتكون التي بالحاء أعم وقال إبراهيم الحربي هما بمعنى واحد وقال بن الأنباري ذكر الثاني للتأكيد كقولهم بعدا وسخطا وقيل بالجيم البحث عن عوراتهم وبالحاء استماع حديث القوم وهذا رواه الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير أحد صغار التابعين وقيل بالجيم البحث عن بواطن الأمور وأكثر ما يقال في الشر وبالحاء البحث عما يدرك بحاسة العين والأذن ورجح هذا القرطبي وقيل بالجيم تتبع الشخص لأجل غيره وبالحاء تتبعه لنفسه وهذا اختيار ثعلب ويستثنى من النهي عن التجسس ما لو تعين طريقا إلى انقاذ نفس من الهلاك مثلا كأن يخبر ثقة بأن فلانا خلا بشخص ليقتله ظلما أو بامرأة ليزني بها فيشرع في هذه الصورة التجسس والبحث عن ذلك حذرا من فوات استدراكه نقله النووي عن الأحكام السلطانية للماوردي واستجاده وأن كلامه ليس للمحتسب أن يبحث عما لم يظهر من المحرمات ولو غلب على الظن استسرار أهلها بها إلا هذه الصورة قوله ولا تحاسدوا الحسد تمني الشخص زوال النعمة عن مستحق لها أعم من أن يسعى في ذلك أو لا فإن سعى كان باغيا وإن لم يسع في ذلك ولا أظهره ولا تسبب في تأكيد أسباب الكراهة التي نهى المسلم عنها في حق المسلم نظر فإن كان المانع له من ذلك العجز بحيث لو تمكن لفعل فهذا مأزور وإن كان المانع له من ذلك التقوى فقد يعذر لأنه لا يستطيع دفع الخواطر النفسانية فيكفيه في مجاهدتها أن لا يعمل بها ولا يعزم على العمل بها وقد أخرج عبد الرزاق عن معمر عن إسماعيل بن أمية رفعه ثلاث لا يسلم منها أحد الطيرة والظن والحسد قيل فما المخرج منها يا رسول الله قال إذا تطيرت فلا ترجع وإذا ظننت فلا تحقق وإذا حسدت فلا تبغ وعن الحسن البصري قال ما من آدمي إلا وفيه الحسد فمن لم يجاوز ذلك إلى البغي والظلم لم يتبعه منه شيء قوله ولا تدابروا قال الخطابي لا تتهاجروا فيهجر أحدكم أخاه مأخوذ من تولية الرجل الآخر دبره إذا أعرض عنه حين يراه وقال بن عبد البر قيل للأعراض مدابرة لأن من أبغض اعرض ومن أعرض ولي دبره والمحب بالعكس وقيل معناه لا يستأثر أحدكم على الآخر وقيل للمستأثر مستدبر لأنه يولي دبره حين يستأثر بشيء دون الآخر وقال المازري معنى