كفرهم تمحضت المخالفة لأهل الكتاب قوله ثم فرق بعد في رواية معمر ثم أمر بالفرق ففرق وكان الفرق آخر الأمرين ومما يشبه الفرق والسدل صبغ الشعر وتركه كما تقدم ومنها صوم عاشوراء ثم أمر بنوع مخالفة لهم فيه بصوم يوم قبله أو بعده ومنها استقبال القبلة ومخالفتهم في مخالطة الحائض حتى قال اصنعوا كل شيء الا الجماع فقالوا ما يدع من أمرنا شيئا إلا خالفنا فيه وقد تقدم بيانه في كتاب الحيض وهذا الذي استقر عليه الأمر ومنها ما يظهر لي النهي عن صوم يوم السبت وقد جاء ذلك من طرق متعددة في النسائي وغيره وصرح أبو داود بأنه منسوخ وناسخه حديث أم سلمة أنه صلى الله عليه وسلّم كان يصوم يوم السبت والأحد يتحرى ذلك ويقول أنهما يوما عيد الكفار وأنا أحب أن أخالفهم وفي لفظ ما مات رسول الله صلى الله عليه وسلّم حتى كان أكثر صيامه السبت والأحد أخرجه أحمد والنسائي وأشار بقوله يوما عيد إلى أن يوم السبت عيد عند اليهود والأحد عيد عند النصارى وأيام العيد لا تصام فخالفهم بصيامها ويستفاد من هذا أن الذي قاله بعض الشافعية من كراهة إفراد السبت وكذا الأحد ليس جيدا بل الأولى في المحافظة على ذلك يوم الجمعة كما ورد الحديث الصحيح فيه وأما السبت والأحد فالأولى أن يصاما معا وفرادى امتثالا لعموم الأمر بمخالفة أهل الكتاب قال عياض سدل الشعر إرساله يقال سدل شعره وأسدله إذا أرسله ولم يضم جوانبه وكذا الثوب والفرق تفريق الشعر بعضه من بعض وكشفه عن الجبين قال والفرق سنة لأنه الذي استقر عليه الحال والذي يظهر أن ذلك وقع بوحي لقول الراوي في أول الحديث إنه كان يحب موافقة أهل الكتاب فيما لم يؤمر فيه بشيء فالظاهر أنه فرق بأمر من الله حتى ادعى بعضهم فيه النسخ ومنع السدل واتخاذ الناصية وحكى ذلك عن عمر بن عبد العزيز وتعقبه القرطبي بأن الظاهر أن الذي كان صلى الله عليه وسلّم يفعله إنما هو لأجل استئلافهم فلما لم ينجع فيهم أحب مخالفتهم فكانت مستحبة لا واجبة عليه وقول الراوي فيما لم يؤمر فيه بشيء أي لم يطلب منه والطلب يشمل الوجوب والندب وأما توهم النسخ في هذا فليس بشيء لا مكان الجمع بل يحتمل أن لا يكون الموافقة والمخالفة حكما شرعيا إلا من جهة المصلحة قال ولو كان السدل منسوخا لصار إليه الصحابة أو أكثرهم والمنقول عنهم أن منهم من كان يفرق ومنهم من كان يسدل ولم يعب بعضهم على بعض وقد صح أنه كانت له صلى الله عليه وسلّم لمة فإن انفرقت فرقها وإلا تركها فالصحيح أن الفرق مستحب لا واجب وهو قول مالك والجمهور قلت وقد جزم الحازمي بأن السدل نسخ بالفرق واستدل برواية معمر التي أشرت إليها قبل وهو ظاهر وقال النووي الصحيح جواز السدل والفرق قال واختلفوا في معنى قوله يحب موافقة أهل الكتاب فقيل للاسئتلاف كما تقدم وقيل المراد أنه كان مأمورا باتباع شرائعهم فيما لم يوح إليه بشيء وما علم أنهم لم يبدلوه واستدل به بعضهم على أن شرع من قبلنا شرع لنا حتى يرد في شرعنا ما يخالفه وعكس بعضهم فاستدل به على أنه ليس بشرع لنا لأنه لو كان كذلك لم يقل يحب بل كان يتحتم الأتباع والحق أن لا دليل في هذا على المسألة لأن القائل به يقصره على ما ورد في شرعنا أنه شرع لهم لا ما يؤخذ عنهم هم إذ لا وثوق بنقلهم والذي جزم به القرطبي أنه كان يوافقهم لمصلحة التأليف محتمل ويحتمل أيضا وهو أقرب أن الحالة التي تدور بين الأمرين لا ثالث لهما إذا لم ينزل على النبي صلى الله عليه وسلّم شيء كان يعمل فيه بموافقة أهل الكتاب لأنهم أصحاب شرع بخلاف عبدة الأوثان فإنهم ليسوا على شريعة فلما أسلم المشركون انحصرت المخالفة في أهل الكتاب فأمر بمخالفتهم وقد جمعت المسائل التي وردت الأحاديث فيها بمخالفة