في حق من صار شيب رأسه مستبشعا ولا يطرد ذلك في حق كل أحد انتهى وما قاله خلاف ما يتبادر من سياق الحديثين نعم يشهد له ما أخرجه هو عن بن شهاب قال كنا نخضب بالسواد إذ كان الوجه جديدا فلما نغض الوجه والأسنان تركناه وقد أخرج الطبراني وبن أبي عاصم من حديث أبي الدرداء رفعه من خضب بالسواد سود الله وجهه يوم القيامة وسنده لين ومنهم من فرق في ذلك بين الرجل والمرأة فأجازه لها دون الرجل واختاره الحليمي وأما خضب اليدين والرجلين فلا يجوز للرجال إلا في التداوي وقوله فخالفوهم في رواية مسلم فخالفوا عليهم واصبغوا وللنسائي من حديث بن عمر رفعه غيروا الشيب ولا تشبهوا باليهود ورجاله ثقات لكن اختلف على هشام بن عروة فيه كما بينه النسائي وقال إنه غير محفوظ وأخرجه الطبراني في الأوسط من حديث عائشة وزاد والنصارى ولأصحاب السنن وصححه الترمذي من حديث أبي ذر رفعه إن أحسن ما غيرتم به الشيب الحناء والكتم وهذا يحتمل أن يكون على التعاقب ويحتمل الجمع وقد أخرج مسلم من حديث أنس قال اختضب أبو بكر بالحناء والكتم واختضب عمر بالحناء بحتا وقوله بحتا بموحدة مفتوحة ومهملة ساكنة بعدها مثناة أي صرفا وهذا يشعر بأن أبا بكر كان يجمع بينهما دائما والكتم نبات باليمن يخرج الصبغ أسود يميل إلى الحمرة وصبغ الحناء أحمر فالصبغ بهما معا يخرج بين السواد والحمرة واستنبط بن أبي عاصم من قوله صلى الله عليه وسلّم جنبوه السواد أن الخضاب بالسواد كان من عادتهم وذكر بن الكلبي أن أول من اختضب بالسواد من العرب عبد المطلب وأما مطلقا ففرعون وقد اختلف في الخضب وتركه فخضب أبو بكر وعمر وغيرهما كما تقدم وترك الخضاب علي وأبي بن كعب وسلمة بن الأكوع وأنس وجماعة وجمع الطبري بأن من صبغ منهم كان اللائق به كمن يستشنع شيبه ومن ترك كان اللائق به كمن لا يستشنع شيبه وعلى ذلك حمل قوله صلى الله عليه وسلّم في حديث جابر الذي أخرجه مسلم في قصة أبي قحافة حيث قال صلى الله عليه وسلّم لما رأى رأسه كأنها الثغامة بياضا غيروا هذا وجنبوه السواد ومثله حديث أنس الذي تقدمت الإشارة إليه أول باب ما يذكر في الشيب وزاد الطبري وبن أبي عاصم من وجه آخر عن جابر فذهبوا به فحمروه والثغامة بضم المثلثة وتخفيف المعجمة نبات شديد البياض زهره وثمره قال فمن كان في مثل حال أبي قحافة استحب له الخضاب لأنه لا يحصل به الغرور لأحد ومن كان بخلافه فلا يستحب في حقه ولكن الخضاب مطلقا أولى لأنه فيه إمتثال الأمر في مخالفة أهل الكتاب وفيه صيانة للشعر عن تعلق الغبار وغيره به إلا إن كان من عادة أهل البلد ترك الصبغ وأن الذي ينفرد بدونهم بذلك يصير في مقام الشهرة فالترك في حقه أولى ونقل الطبري بعد أن أورد حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رفعه بلفظ من شاب شيبة فهي له نور إلى أن ينتفها أو يخضبها وحديث بن مسعود إن النبي صلى الله عليه وسلّم كان يكره خصالا فذكر منها تغيير الشيب إذ بعضهم ذهب إلى أن هذه الكراهة تستحب بحديث الباب ثم ذكر الجمع وقال دعوى النسخ لا دليل عليها قلت وجنح إلى النسخ الطحاوي وتمسك بالحديث الآتي قريبا أنه كان صلى الله عليه وسلّم يحب موافقة أهل الكتاب فيما لم ينزل عليه ثم صار يخالفهم ويحث على مخالفتهم كما سيأتي تقريره في باب الفرق إن شاء الله تعالى وحديث عمرو بن شعيب المشار إليه أخرجه الترمذي وحسنه ولم أر في شيء من طرقه الاستثناء المذكور فالله أعلم قال بن العربي وإنما نهى عن النتف دون الخضب لأن فيه تغيير الخلقة من أصلها بخلاف الخضب فإنه لا يغير الخلقة علىالناظر إليه والله أعلم وقد نقل عن أحمد أنه يجب وعنه يجب ولو مرة وعنه لا أحب