عن أحمد وذهب أكثر العلماء وبعض الشافعية إلى أنه ليس بواجب ومن حجتهم حديث شداد بن أوس رفعه الختان سنة للرجال مكرمة للنساء وهذا لا حجة فيه لما تقرر أن لفظ السنة إذا ورد في الحديث لا يراد به التي تقابل الواجب لكن لما وقعت التفرقة بين الرجال والنساء في ذلك دل على أن المراد افتراق الحكم وتعقب بأنه لم ينحصر في الوجوب فقد يكون في حق الذكور آكد منه في حق النساء أو يكون في حق الرجال للندب وفي حق النساء للإباحة على أن الحديث لا يثبت لأنه من رواية حجاج بن أرطاة ولا يحتج به أخرجه أحمد والبيهقي لكن له شاهد أخرجه الطبراني في مسند الشاميين من طريق سعيد بن بشر عن قتادة عن جابر بن زيد عن بن عباس وسعيد مختلف فيه وأخرجه أبو الشيخ والبيهقي من وجه آخر عن بن عباس وأخرجه البيهقي أيضا من حديث أبي أيوب واحتجوا أيضا بأن الخصال المنتظمة مع الختان ليست واجبة إلا عند بعض من شذ فلا يكون الختان واجبا وأجيب بأنه لا مانع أن يراد بالفطرة وبالسنة في الحديث القدر المشترك الذي يجمع الوجوب والندب وهو الطلب المؤكد فلا يدل ذلك على عدم الوجوب ولا ثبوته فيطلب الدليل من غيره وأيضا فلا مانع من جمع المختلفي الحكم بلفظ أمر واحد كما في قوله تعالى كلوا من ثمره إذا أثمر وآتوا حقه يوم حصاده فإيتاء الحق واجب والأكل مباح هكذا تمسك به جماعة وتعقبه الفاكهاني في شرح العمدة فقال الفرق بين الآية والحديث أن الحديث تضمن لفظة واحدة استعملت في الجميع فتعين أن يحمل على أحد الأمرين الوجوب أو الندب بخلاف الآية فإن صيغة الأمر تكررت فيها والظاهر الوجوب فصرف في أحد الأمرين بدليل وبقي الآخر على الأصل وهذا التعقب إنما يتم على طريقة من يمنع استعمال اللفظ الواحد في معنيين وأما من يجيزه كالشافعية فلا يرد عليهم واستدل من أوجب الاختتان بأدلة الأول أن القلفة تحبس النجاسة فتمنع صحة الصلاة كمن أمسك نجاسة بفمه وتعقب بأن الفم في حكم الظاهر بدليل أن وضع المأكول فيه لا يفطر به الصائم بخلاف داخل القلفة فإنه في حكم الباطن وقد صرح أبو الطيب الطبري بأن هذا القدر عندنا مغتفر الثاني ما أخرجه أبو داود من حديث كليب جد عثيم بن كثير أن النبي صلى الله عليه وسلّم قال له ألق عنك شعر الكفر واختتن مع ما تقرر أن خطابه للواحد يشمل غيره حتى يقوم دليل الخصوصية وتعقب بأن سند الحديث ضعيف وقد قال بن المنذر لا يثبت فيه شيء الثالث جواز كشف العورة من المختون وسيأتي أنه إنما يشرع لمن بلغ أو شارف البلوغ وجواز نظر الخاتن إليها وكلاهما حرام فلو لم يجب لما أبيح ذلك وأقدم من نقل عنه الاحتجاج بهذا أبو العباس بن سريج نقله عنه الخطابي وغيره وذكر النووي أنه رآه في كتاب الودائع المنسوب لابن سريج قال ولا أظنه يثبت عنه قال أبو شامة وقد عبر عنه جماعة من المصنفين بعده بعبارات مختلفة كالشيخ أبي حامد والقاضي الحسين وأبي الفرج السرخسي والشيخ في المهذب وتعقبه عياض بأن كشف العورة مباح لمصلحة الجسم والنظر إليها يباح للمداواة وليس ذلك واجبا إجماعا وإذا جاز في المصلحة الدنيوية كان في المصلحة الدينية أولى وقد استشعر القاضي حسين هذا فقال فإن قيل قد يترك الواجب لغير الواجب كترك الانصات للخطبة بالتشاغل بركعتي التحية وكترك القيام في الصلاة لسجود التلاوة وكشف العورة للمداواة مثلا وأجاب عن الأولين ولم يجب عن الثالث وأجاب النووي بأن كشف العورة لا يجوز لكل مداواة فلا يتم المراد وقوى أبو شامة الإيراد بأنهم جوزوا الغاسل الميت أن يحلق عانة الميت ولا يتأتى ذلك للغاسل الا بالنظر واللمس وهما حرامان وقد أجيزا لأمر