فنفى الشارع ذلك وأبطله فلما أورد الأعرابي الشبهة رد عليه النبي صلى الله عليه وسلّم بقوله فمن أعدى الأول وهو جواب في غاية البلاغة والرشاقة وحاصله من أين جاء الجرب للذي أعدى بزعمهم فإن أجيب من بعير آخر لزم التسلسل أو سبب آخر فليفصح به فإن أجيب بأن الذي فعله في الأول هو الذي فعله في الثاني ثبت المدعى وهو أن الذي فعل بالجميع ذلك هو الخالق القادر على كل شيء وهو الله سبحانه وتعالى قوله وعن أبي سلمة سمع أبا هريرة بعد يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم لا يوردن ممرض على مصح كذا فيه بتأكيد النهي عن الإيراد ولمسلم من رواية يونس عن الزهري لا يورد بلفظ النفي وكذا تقدم من رواية صالح وغيره وهو خبر بمعنى النهي بدليل رواية الباب والممرض بضم أوله وسكون ثانيه وكسر الراء بعدها ضاد معجمة هو الذي له إبل مرضى والمصح بضم الميم وكسر الصاد المهملة بعدها مهملة من له إبل صحاح نهى صاحب الإبل المريضة أن يوردها على الإبل الصحيحة قال أهل اللغة الممرض اسم فاعل من أمرض الرجل إذا أصاب ماشيته مرض والمصح اسم فاعل من أصح إذا أصاب ماشيته عاهة ثم ذهب عنها وصحت قوله وأنكر أبو هريرة الحديث الأول وقع في رواية المستملي والسرخسي حديث الأول وهو كقولهم مسجد الجامع وفي رواية يونس عن الزهري عن أبي سلمة كان أبو هريرة يحدثهما كليهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلّم ثم صمت أبو هريرة بعد ذلك عن قوله لا عدوى قوله وقلنا ألم تحدث أنه لا عدوى في رواية يونس فقال الحارث بن أبي ذباب بضم المعجمة وموحدتين وهو بن عم أبي هريرة قد كنت أسمعك يا أبا هريرة تحدثنا مع هذا الحديث حديث لا عدوى فأبى أن يعرف ذلك ووقع عند الإسماعيلي من رواية شعيب فقال الحارث إنك حدثتنا فذكره قال فأنكر أبو هريرة وغضب وقال لم أحدثك ما تقول قوله فرطن بالحبشية في رواية يونس فما رآه الحارث في ذلك حتى غضب أبو هريرة حتى رطن بالحبشية فقال للحارث أتدري ماذا قلت قال لا قال أني قلت أبيت قوله فما رأيته في رواية الكشميهني فما رأيناه نسي حديثا غيره في رواية يونس قال أبو سلمة ولعمرى لقد كان يحدثنا به فما أدري أنسي أبو هريرة أم نسخ أحد القولين للآخر وهذا الذي قاله أبو سلمة ظاهر في أنه كان يعتقد أن بين الحديثين تمام التعارض وقد تقدم وجه الجمع بينهما في باب الجذام وحاصله أن قوله لا عدوى نهى عن اعتقادها وقوله لا يورد سبب النهي عن الإيراد خشية الوقوع في اعتقاد العدوى أو خشية تاثير الأوهام كما تقدم نظيره في حديث فر من المجذوم لأن الذي لا يعتقد أن الجذام يعدي يجد في نفسه نفرة حتى لو أكرهها على القرب منه لتألمت بذلك فالأولى بالعاقل أن لا يتعرض لمثل ذلك بل يباعد أسباب الآلام ويجانب طرق الأوهام والله أعلم قال بن التين لعل أبا هريرة كان يسمع هذا الحديث قبل أن يسمع من النبي صلى الله عليه وسلّم حديث من بسط رداءه ثم ضمه إليه لم ينس شيئا سمعه من مقالتي وقد قيل في الحديث المذكور إن المراد أنه لا ينسى تلك المقالة التي قالها ذلك اليوم لا أنه ينتفي عنه النسيان أصلا وقيل كان الحديث الثاني ناسخا للأول فسكت عن المنسوخ وقيل معنى قوله لا عدوى النهي عن الاعتداء ولعل بعض من أجلب عليه إبلا جرباء أراد تضمينه فاحتج عليه في إسقاط الضمان بأنه إنما أصابها ما قدر عليها وما لم تكن تنجو منه لأن العجماء جبار ويحتمل أن يكون قال هذا على ظنه ثم تبين له خلاف ذلك انتهى فأما دعوى نسيان أبي هريرة للحديث فهو بحسب ما ظن أبو سلمة وقد بينت ذلك رواية يونس التي أشرت إليها وأما دعوى النسخ فمردودة لأن النسخ لا يصار إليه بالاحتمال ولا سيما مع