عن الله تعالى وعلى عصمته في التبليغ والمعجزات شاهدات بتصديقه فتجويز ما قام الدليل على خلافه باطل وأما ما يتعلق ببعض أمور الدنيا التي لم يبعث لأجلها ولا كانت الرسالة من أجلها فهو في ذلك عرضة لما يعترض البشر كالأمراض فغير بعيد أن يخيل إليه في أمر من أمور الدنيا ما لا حقيقة له مع عصمته عن مثل ذلك في أمور الدين قال وقد قال بعض الناس إن المراد بالحديث أنه كان صلى الله عليه وسلّم يخيل إليه أنه وطىء زوجاته ولم يكن وطأهن وهذا كثيرا ما يقع تخيله للإنسان في المنام فلا يبعد أن يخيل إليه في اليقظة قلت وهذا قد ورد صريحا في رواية بن عيينة في الباب الذي يلي هذا ولفظه حتى كان يرى أنه يأتي النساء ولا يأتيهن وفي رواية الحميدي أنه يأتي أهله ولا يأتيهم قال الداودي يرى بضم أوله أي يظن وقال بن التين ضبطت يرى بفتح أوله قلت وهو من الرأي لا من الرؤية فيرجع إلى معنى الظن وفي مرسل يحيى بن يعمر عند عبد الرزاق سحر النبي صلى الله عليه وسلّم عن عائشة حتى أنكر بصره وعنده في مرسل سعيد بن المسيب حتى كاد ينكر بصره قال عياض فظهر بهذا أن السحر إنما تسلط على جسده وظواهر جوارحه لا على تمييزه ومعتقده قلت ووقع في مرسل عبد الرحمن بن كعب عند بن سعد فقالت أخت لبيد بن الأعصم أن يكن نبيا فسيخبر إلا فسيذهله هذا السحر حتى يذهب عقله قلت فوقع الشق الأول كما في هذا الحديث الصحيح وقد قال بعض العلماء لا يلزم من أنه كان يظن أنه فعل الشيء ولم يكن فعله أن يجزم بفعله ذلك وإنما يكون ذلك من جنس الخاطر يخطر ولا يثبت فلا يبقى على هذا للملحد حجة وقال عياض يحتمل أن يكون المراد بالتخيل المذكور أنه يظهر له من نشاطه ما ألفه من سابق عادته من الاقتدار على الوطء فإذا دنا من المرأة فتر عن ذلك كما هو شأن المعقود ويكون قوله في الرواية الأخرى حتى كاد ينكر بصره أي صار كالذي أنكر بصره بحيث أنه إذا رأى الشيء يخيل أنه على غير صفته فإذا تأمله عرف حقيقته ويؤيد جميع ما تقدم أنه لم ينقل عنه في خبر من الأخبار أنه قال قولا فكان بخلاف ما أخبر به وقال المهلب صون النبي صلى الله عليه وسلّم من الشياطين لا يمنع إرادتهم كيده فقد مضى في الصحيح أن شيطانا أراد أن يفسد عليه صلاته فأمكنه الله منه فكذلك السحر ما ناله من ضرره ما يدخل نقصا على ما يتعلق بالتبليغ بل هو من جنس ما كان يناله من ضرر سائر الأمراض من ضعف عن الكلام أو عجز عن بعض الفعل أو حدوث تخيل لا يستمر بل يزول ويبطل الله كيد الشياطين واستدل بن القصار على أن الذي أصابه كان من جنس المرض بقوله في آخر الحديث أما أنا فقد شفاني الله وفي الاستدلال بذلك نظر لكن يؤيد المدعي أن في رواية عمرة عن عائشة عند البيهقي في الدلائل فكان يدور ولا يدري ما وجعه وفي حديث بن عباس عند بن سعد مرض النبي صلى الله عليه وسلّم وأخذ عن النساء والطعام والشراب فهبط عليه ملكان الحديث قوله حتى إذا كان ذات يوم أو ذات ليلة شك من الراوي وأظنه من البخاري لأنه أخرجه في صفة إبليس من بدء الخلق فقال حتى كان ذات يوم ولم يشك ثم ظهر لي أن الشك فيه من عيسى بن يونس وأن إسحاق بن راهويه أخرجه في مسنده عنه على الشك ومن طريقه أخرجه أبو نعيم فيحمل الجزم الماضي على أن إبراهيم بن موسى شيخ البخاري حدثه به تارة بالجزم وتارة بالشك ويؤيده ما سأذكره من الاختلاف عنه وهذا من نوادر ما وقع في البخاري أن يخرج الحديث تاما بإسناد واحد بلفظين ووقع في رواية أبي أسامة الآتية قريبا ذات يوم بغير شك وذات بالنصب ويجوز الرفع ثم قيل أنها مقحمة وقيل بل هي من إضافة الشيء