الدنيا أكلا أي يرغب فيها ويحرص عليها فمعنى المؤمن يأكل في معي واحد أي يزهد فيها فلا يتناول منها الا قليلا والكافر في سبعة أي يرغب فيها فيستكثر منها وقيل المراد حض المؤمن على قلة الأكل إذا علم أن كثرة الأكل صفة الكافر فإن نفس المؤمن تنفر من الاتصاف بصفة الكافر ويدل على أن كثرة الأكل من صفة الكفار قوله تعالى والذين كفروا يتمتعون ويأكلون كما تأكل الأنعام وقيل بل هو على ظاهره ثم اختلفوا في ذلك على أقوال أحدها أنه ورد في شخص بعينه واللام عهدية لا جنسية جزم بذلك بن عبد البر فقال لا سبيل إلى حمله على العموم لأن المشاهدة تدفعه فكم من كافر يكون أقل أكلا من مؤمن وعكسه وكم من كافر أسلم فلم يتغير مقدار أكله قال وحديث أبي هريرة يدل على أنه ورد في رجل بعينه ولذلك عقب به مالك الحديث المطلق وكذا البخاري فكأنه قال هذا إذا كان كافرا كان يأكل في سبعة أمعاء فلما أسلم عوفي وبورك له في نفسه فكفاه جزء من سبعة أجزاء مما كان يكفيه وهو كافر اه وقد سبقه إلى ذلك الطحاوي في مشكل الآثار فقال قيل أن هذا الحديث كان في كافر مخصوص وهو الذي شرب حلاب السبع شياه قال وليس للحديث عندنا محمل غير هذا الوجه والسابق إلى ذلك أولا أبو عبيدة وقد تعقب هذا الحمل بأن بن عمر راوي الحديث فهم منه العموم فلذلك منع الذي رآه يأكل كثيرا من الدخول عليه واحتج بالحديث ثم كيف يتأتى حمله على شخص بعينه مع ما تقدم من ترجيح تعدد الواقعة ويورد الحديث المذكور عقب كل واحدة منها في حق الذي وقع له نحو ذلك القول الثاني أن الحديث خرج مخرج الغالب وليست حقيقة العدد مراده قالوا تخصيص السبعة للمبالغة في التكثير كما في قوله تعالى والبحر يمده من بعده سبعة أبحر والمعنى أن من شأن المؤمن التقلل من الأكل لاشتغاله بأسباب العبادة ولعلمه بأن مقصود الشرع من الأكل ما يسد الجوع ويمسك الرمق ويعين على العبادة ولخشيته أيضا من حساب ما زاد على ذلك والكافر بخلاف ذلك كله فإنه لا يقف مع مقصود الشرع بل هو تابع لشهوة نفسه مسترسل فيها غير خائف من تبعات الحرام فصار أكل المؤمن لما ذكرته إذا نسب إلى أكل الكافر كأنه بقدر السبع منه ولا يلزم من هذا اطراده في حق كل مؤمن وكافر فقد يكون في المؤمنين من يأكل كثيرا أما بحسب العادة وأما لعارض يعرض له من مرض باطن أو لغير ذلك ويكون في الكفار من يأكل قليلا أما لمراعاة الصحة على رأي الأطباء وأما للرياضة على رأي الرهبان وأما لعارض كضعف المعدة قال الطيبي ومحصل القول أن من شأن المؤمن الحرص على الزهادة والاقتناع بالبلغة بخلاف الكافر فإذا وجد مؤمن أو كافر على غير هذا الوصف لا يقدح في الحديث ومن هذا قوله تعالى الزاني لا ينكح الا زانية أو مشركة الآية وقد يوجد من الزاني نكاح الحرة ومن الزانية نكاح الحر القول الثالث أن المراد بالمؤمن في هذا الحديث التام الإيمان لأن من حسن إسلامه وكمل ايمانه اشتغل فكره فيما يصير إليه من الموت وما بعده فيمنعه شدة الخوف وكثرة الفكر والاشفاق على نفسه من استيفاء شهوته كما ورد في حديث لأبي إمامة رفعه من كثر تفكره قل طعمه ومن قل تفكره كثر طعمه وقسا قلبه ويشير إلى ذلك حديث أبي سعيد الصحيح أن هذا المال حلوة خضرة فمن أخذه بإشراف نفس كان كالذي يأكل ولا يشبع فدل على ان المراد بالمؤمن من يقتصد في مطعمه وأما الكافر فمن شأنه الشره فيأكل بالنهم كما تأكل البهيمة ولا يأكل بالمصلحة لقيام البنية وقد رد هذا الخطابي وقال قد ذكر عن غير واحد من أفاضل السلف الأكل الكثير فلم يكن ذلك نقصا في إيمانهم الرابع أن المراد