بسبب ما جرى من الاختلاف لا بسبب الاقتحام والبذاءة فإن قام دليل أقوى من هذا الظاهر عمل به قلت المتفق عليه في جميع طرقه أن الاختلاف كان في النفقة ثم اختلفت الروايات ففي بعضها فقال لا نفقة لك ولا سكنى وفي بعضها أنه لما قال لها لا نفقة لك استأذنته في الانتقال فأذن لها وكلها في صحيح مسلم فإذا جمعت ألفاظ الحديث من جميع طرقه خرج منها أن سبب استئذانها في الانتقال ما ذكر من الخوف عليها ومنها واستقام الاستدلال حينئذ على أن السكنى لم تسقط لذاتها وإنما سقطت للسبب المذكور نعم كانت فاطمة بنت قيس تجزم بإسقاط سكنى البائن ونفقتها وتستدل لذلك كما سيأتي ذكره ولهذا كانت عائشة تنكر عليها تنبيه طعن أبو محمد بن حزم في رواية بن أبي الزناد المعلقة فقال عبد الرحمن بن أبي الزناد ضعيف جدا وحكم على روايته هذه بالبطلان وتعقب بأنه مختلف فيه ومن طعن فيه لم يذكر ما يدل على تركه فضلا عن بطلان روايته وقد جزم يحيى بن معين بأنه أثبت الناس في هشام بن عروة وهذا من روايته عن هشام فلله در البخاري ما أكثر استحضاره وأحسن تصرفه في الحديث والفقه وقد اختلف السلف في نفقة المطلقة البائن وسكناها فقال الجمهور لا نفقة لها ولها السكنى واحتجوا لإثبات السكنى بقوله تعالى اسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم ولاسقاط النفقة بمفهوم قوله تعالى وأن كن أولات حمل فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن فإن مفهومة أن غير الحامل لا نفقة لها وإلا لم يكن لتخصيصها بالذكر معنى والسياق يفهم أنها في غير الرجعية لأن نفقة الرجعية واجبة لو لم تكن حاملا وذهب أحمد وإسحاق وأبو ثور إلى أنه لا نفقة لها ولا سكنى على ظاهر حديث فاطمة بنت قيس ونازعوا في تناول الآية الأولى المطلقة البائن وقد احتجت فاطمة بنت قيس صاحبة القصة على مروان حين بلغها إنكاره بقولها بيني وبينكم كتاب الله قال الله تعالى لا تخرجوهن من بيوتهن إلى قوله يحدث بعد ذلك أمرا قالت هذا لمن كانت له مراجعة فأي أمر يحدث بعد الثلاث وإذا لم يكن لها نفقة وليست حاملا فعلام يحبسونها وقد وافق فاطمة على أن المراد بقوله تعالى يحدث بعد ذلك أمرا المراجعة قتادة والحسن والسدي والضحاك أخرجه الطبري عنهم ولم يحك عن أحد غيرهم خلافة وحكى غيره أن المراد بالأمر ما يأتي من قبل الله تعالى من نسخ أو تخصيص أو نحو ذلك فلم ينحصر ذلك في المراجعة وأما ما أخرجه أحمد من طريق الشعبي عن فاطمة في آخر حديثها مرفوعا إنما السكنى والنفقة لمن يملك الرجعة فهو في أكثر الروايات موقوف عليها وقد بين الخطيب في المدرج أن مجالد بن سعيد تفرد برفعه وهو ضعيف ومن أدخله في رواية غير رواية مجالد عن الشعبي فقد ادرجه وهو كما قال وقد تابع بعض الرواة عن الشعبي في رفعه مجالدا لكنه أضعف منه وأما قولها إذا لم يكن لها نفقة فعلام يحبسونها فأجاب بعض العلماء عنه بأن السكنى التي تتبعها النفقة هو حال الزوجية الذي يمكن معه الاستمتاع ولو كانت رجعية وأما السكنى بعد البينونة فهو حق لله تعالى بدليل أن الزوجين لو اتفقا على إسقاط العدة لم تسقط بخلاف الرجعية فدل على أن لا ملازمة بين السكنى والنفقة وقد قال بمثل قول فاطمة أحمد وإسحاق وأبو ثور وداود وأتباعهم وذهب أهل الكوفة من الحنفية وغيرهم الي أن لها النفقة والكسوة وأجابوا عن الآية بأنه تعالى إنما قيد النفقة بحالة الحمل ليدل على ايجابها في غير حالة الحمل بطريق الأولى لأن مدة الحمل تطول غالبا ورده بن السمعاني بمنع العلة في طول مدة الحمل بل تكون مدة الحمل اقصر من غيرها تارة واطول أخرى فلا اولوية وبأن قياس الحائل على الحامل فاسد لأنه يتضمن إسقاط تقييد ورد به النص في