قالت تقول سودة فوالله ما هو الا أن قام على الباب فأردت أن أبادئه بالذي أمرتني به فرقا منك أي خوفا وفي رواية أبي أسامة فلما دخل على سودة قالت تقول سودة والله لقد كدت أن أبادره بالذي قلت لي وضبط أبادئه في أكثر الروايات بالموحدة من المبادأة وهي بالهمزة وفي بعضها بالنون بغير همزة من المناداة وأما ابادره في رواية أبي أسامة فمن المبادرة ووقع فيها عند الكشميهني والأصيلي وأبي الوقت كالأول بالهمزة بدل الراء وفي رواية بن عساكر بالنون قوله فلما دار إلي قلت نحو ذلك فلما دار إلى صفية قالت له مثل ذلك كذا في هذه الرواية بلفظ نحو عند إسناد القول لعائشة وبلفظ مثل عند إسناده لصفية ولعل السر فيه أن عائشة لما كانت المبتكرة لذلك عبرت عنه بأي لفظ حسن ببالها حينئذ فلهذا قالت نحو ولم تقل مثل وأما صفية فإنها مأمورة بقول شيء فليس لها فيه تصرف إذ لو تصرفت فيه لخشيت من غضب الإمرة لها فلهذا عبرت عنه بلفظ مثل هذا الذي ظهر لي في الفرق أولا ثم راجعت سياق أبي أسامة فوجدته عبر بالمثل في الموضعين فغلب على الظن أن تغيير ذلك من تصرف الرواة والله أعلم قوله فلما دار إلى حفصة أي في اليوم الثاني قوله لا حاجة لي فيه كأنه اجتنبه لما وقع عنده من توارد النسوة الثلاث على أنه نشأت من شربه له ريح منكرة فتركه حسما للمادة قوله تقول سودة زاد بن أبي أسامة في روايته سبحان الله قوله والله لقد حرمناه بتخفيف الراء أي منعناه قوله قلت لها اسكتي كأنها خشيت أن يفشو ذلك فيظهر ما دبرته من كيدها لحفصة وفي الحديث من الفوائد ما جبل عليه النساء من الغيرة وأن الغيراء تعذر فيما يقع منها من الاحتيال فيما يدفع عنها ترفع ضرتها عليها بأي وجه كان وترجم عليه المصنف في كتاب ترك الحيل ما يكره من احتيال المرأة من الزوج والضرائر وفيه الأخذ بالحزم في الأمور وترك ما يشتبه الأمر فيه من المباح خشية من الوقوع في المحذور وفيه ما يشهد بعلو مرتبة عائشة عند النبي صلى الله عليه وسلّم حتى كانت ضرتها تهابها وتطيعها في كل شيء تأمرها به حتى في مثل هذا الأمر مع الزوج الذي هو أرفع الناس قدرا وفيه إشارة إلى ورع سودة لما ظهر منها من التندم على ما فعلت لأنها وافقت أولا على دفع ترفع حفصة عليهن بمزيد الجلوس عندها بسبب العسل ورأت أن التوصل إلى بلوغ المراد من ذلك لحسم مادة شرب العسل الذي هو سبب الإقامة لكن أنكرت بعد ذلك أنه يترتب عليه منع النبي صلى الله عليه وسلّم من أمر كان يشتهيه وهو شرب العسل مع ما تقدم من اعتراف عائشة الإمرة لها بذلك في صدر الحديث فأخذت سودة تتعجب مما وقع منهن في ذلك ولم تجسر على التصريح بالإنكار ولا راجعت عائشة بعد ذلك لما قالت لها اسكتي بل اطاعتها وسكتت لما تقدم من اعتذارها في أنها كانت تهابها وإنما كانت تهابها لما تعلم من مزيد حب النبي صلى الله عليه وسلّم لها أكثر منهن فخشيت إذا خالفتها أن تغضبها وإذا اغضبتها لا تأمن أن تغير عليها خاطر النبي صلى الله عليه وسلّم ولا تحتمل ذلك فهذا معنى خوفها منها وفيه أن عماد القسم الليل وأن النهار يجوز الاجتماع فيه بالجميع لكن بشرط أن لا تقع المجامعة الا مع التي هو في نوبتها كما تقدم تقريره وفيه استعمال الكنايات فيما يستحيا من ذكره لقوله في الحديث فيدنو منهن والمراد فيقبل ونحو ذلك ويحقق ذلك قول عائشة لسودة إذا دخل عليك فإنه سيدنو منك فقولي له إني أجد كذا وهذا إنما يتحقق بقرب الفم من الأنف ولا سيما إذا لم تكن الرائحة طافحة بل المقام يقتضي أن الرائحة لم تكن طافحة لأنها لو كانت طافحة لكانت بحيث يدركها النبي صلى الله عليه وسلّم ولانكر عليها عدم وجودها منه فلما أقر على ذلك دل على ما قررناه أنها لو قدر وجودها لكانت خفية وإذا كانت خفية لم تدرك بمجرد المجالسة والمحادثة