ثلاثة قروء أراد أن يعلم أن هذا قرء أم لا ويحتمل أن يكون سمع من النبي صلى الله عليه وسلّم النهي فجاء ليسأل عن الحكم بعد ذلك وقال بن دقيق العيد وتغيظ النبي صلى الله عليه وسلّم أما لأن المعنى الذي يقتضي المنع كان ظاهرا فكان مقتضى الحال التثبت في ذلك أو لأنه كان مقتضى الحال مشاورة النبي صلى الله عليه وسلّم في ذلك إذا عزم عليه قوله مره فليراجعها قال بن دقيق العيد يتعلق به مسألة اصولية وهي أن الأمر بالأمر بالشيء هل هو أمر بذلك أم لا فإنه صلى الله عليه وسلّم قال لعمر مرة فأمره بأن يأمره قلت هذه المسألة ذكرها بن الحاجب فقال الأمر بالأمر بالشيء ليس أمرا بذلك الشيء لنا لو كان لكان مر عبدك بكذا تعديا ولكان يناقض قولك للعبد لا تفعل قالوا فهم ذلك من أمر الله ورسوله ومن قول الملك لوزيره قل لفلان افعل قلنا للعلم بأنه مبلغ قلت والحاصل أن النفي إنما هو حيث تجرد الأمر وأما إذا وجدت قرينة تدل على أن الأمر الأول أمر المأمور الأول أن يبلغ المأمور الثاني فلا وينبغي أن ينزل كلام الفريقين على هذا التفصيل فيرتفع الخلاف ومنهم من فرق بين الامرين فقال أن كان الأمر الأول بحيث يسوغ له الحكم على المأمور الثاني فهو آمر له وإلا فلا وهذا قوي وهو مستفاد من الدليل الذي استدل به بن الحاجب على النفي لأنه لا يكون متعديا الا إذا أمر من لا حكم له عليه لئلا يصير متصرفا في ملك غيره بغير إذنه والشارع حاكم على الأمر والمأمور فوجد فيه سلطان التكليف على الفريقين ومنه قوله تعالى وأمر أهلك بالصلاة فإن كل أحد يفهم منه أمر الله لأهل بيته بالصلاة ومثله حديث الباب فإن عمر إنما استفتى النبي صلى الله عليه وسلّم عن ذلك ليمتثل ما يأمره به ويلزم ابنه به فمن مثل بهذا الحديث لهذه المسألة فهو غالط فإن القرينة واضحة في أن عمر في هذه الكائنة كان مأمورا بالتبليغ ولهذا وقع في رواية أيوب عن نافع فأمره أن يراجعها وفي رواية أنس بن سيرين ويونس بن جبير وطاوس عن بن عمر وفي رواية الزهري عن سالم فليراجعها وفي رواية لمسلم فراجعها عبد الله كما أمره رسول الله صلى الله عليه وسلّم وفي رواية أبي الزبير عن بن عمر ليراجعها وفي رواية الليث عن نافع عن بن عمر فإن النبي صلى الله عليه وسلّم أمرني بهذا وقد اقتضى كلام سليم الرازي في التقريب أنه يجب على الثاني الفعل جزما وإنما الخلاف في تسميته آمرا فرجع الخلاف عنده لفظيا وقال الفخر الرازي في المحصول الحق أن الله تعالى إذا قال لزيد أوجبت على عمرو كذا وقال لعمرو كل ما أوجب عليك زيد فهو واجب عليك كان الأمر بالأمر بالشيء أمرا بالشيء قلت وهذا يمكن أن يؤخذ منه التفرقة بين الأمر الصادر من رسول الله صلى الله عليه وسلّم ومن غيره فمهما أمر الرسول أحدا أن يأمر به غيره وجب لأن الله أوجب طاعته وهو أوجب طاعة أميره كما ثبت في الصحيح من اطاعني فقد اطاع الله ومن اطاع أميري فقد اطاعني وأما غيره ممن بعده فلا وفيهم تظهر صورة التعدي التي أشار إليها بن الحاجب وقال بن دقيق العيد لا ينبغي أن يتردد في اقتضاء ذلك الطلب وإنما ينبغي أن ينظر في أن لوازم صيغة الأمر هل هي لوازم صيغة الأمر بالأمر أو لا بمعنى إنهما يستويان في الدلالة على الطلب من وجه واحد أو لا قلت وهو حسن فإن أصل المسألة التي انبني عليها هذا الخلاف حديث مروا أولادكم بالصلاة لسبع فإن الأولاد ليسوا بمكلفين فلا يتجه عليهم الوجوب وإنما الطلب متوجه على أوليائهم أن يعلموهم ذلك فهو مطلوب من الأولاد بهذه الطريق وليس مساويا للأمر الأول وهذا إنما عرض من أمر خارج وهو امتناع توجه الأمر على غير المكلف وهو بخلاف القصة التي في حديث الباب والحاصل أن الخطاب إذا توجه لمكلف أن يأمر مكلفا آخر بفعل شيء كان المكلف الأول مبلغا محضا والثاني مأمور من قبل