وإما الجزية وإما أن يصالح النبي صلى الله عليه وسلّم ويبقى لهم ما دون الدرب فأبوا وأنه انطلق حتى إذا أشرف على الدرب استقبل أرض الشام ثم قال السلام عليك أرض سورية يعني الشام تسليم المودع ثم ركض حتى دخل القسطنطينية واختلف الاخباريون هل هو الذي حاربه المسلمون في زمن أبي بكر وعمر أو ابنه والأظهر أنه هو والله أعلم تنبيه لما كان أمر هرقل في الإيمان عند كثير من الناس مستبهما لأنه يحتمل أن يكون عدم تصريحه بالإيمان للخوف على نفسه من القتل ويحتمل أن يكون استمر على الشك حتى مات كافرا وقال الراوي في آخر القصة فكان ذلك آخر شأن هرقل ختم به البخاري هذا الباب الذي استفتحه بحديث الأعمال بالنيات كأنه قال إن صدقت نيته انتفع بها في الجملة وإلا فقد خاب وخسر فظهرت مناسبة إيراد قصة بن الناطور في بدء الوحي لمناسبتها حديث الأعمال المصدر الباب به ويؤخذ للمصنف من آخر لفظ في القصة براعة الاختتام وهو واضح مما قررناه فإن قيل ما مناسبة حديث أبي سفيان في قصة هرقل ببدء الوحي فالجواب أنها تضمنت كيفية حال الناس مع النبي صلى الله عليه وسلّم في ذلك الابتداء ولأن الآية المكتوبة إلى هرقل للدعاء إلى الإسلام ملتئمة مع الآية التي في الترجمة وهي قوله تعالى إنا اوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح الآية وقال تعالى شرع لكم من الدين ماوصى به نوحا الآية فبان أنه أوحى إليهم كلهم ان اقيموا الدين وهو معنى قوله تعالى سواء بيننا وبينكم الآية تكميل ذكر السهيلي أنه بلغه أن هرقل وضع الكتاب في قصبة من ذهب تعظيما له وأنهم لم يزالوا يتوارثونه حتى كان عند ملك الفرنج الذي تغلب على طليطلة ثم كان عند سبطه فحدثني بعض أصحابنا أن عبد الملك بن سعد أحد قواد المسلمين اجتمع بذلك الملك فأخرج له الكتاب فلما رآه استعبر وسأل أن يمكنه من تقبيله فامتنع قلت وأنبأني غير واحد عن القاضي نور الدين بن الصائغ الدمشقي قال حدثني سيف الدين فليح المنصوري قال أرسلني الملك المنصور قلاوون إلى ملك الغرب بهدية فأرسلني ملك الغرب إلى ملك الفرنج في شفاعة فقبلها وعرض علي الإقامة عنده فامتنعت فقال لي لأتحفنك بتحفة سنية فأخرج لي صندوقا مصفحا بذهب فأخرج منه مقلمة ذهب فأخرج منها كتابا قد زالت أكثر حروفه وقد التصقت عليه خرقة حرير فقال هذا كتاب نبيكم إلى جدي قيصر ما زلنا نتوارثه إلى الآن وأوصانا آباؤنا أنه ما دام هذا الكتاب عندنا لا يزال الملك فينا فنحن نحفظه غاية الحفظ ونعظمه ونكتمه عن النصارى ليدوم الملك فينا انتهى ويؤيد هذا ما وقع في حديث سعيد بن أبي راشد الذي أشرت إليه آنفا أن النبي صلى الله عليه وسلّم عرض على التنوخي رسول هرقل الإسلام فامتنع فقال له يا أخا تنوخ أني كتبت إلى ملككم بصحيفة فأمسكها فلن يزال الناس يجدون منه بأسا ما دام في العيش خير وكذلك أخرج أبو عبيد في كتاب الأموال من مرسل عمير بن إسحاق قال كتب رسول الله صلى الله عليه وسلّم إلى كسرى وقيصر فأما كسرى فلما قرأ الكتاب مزقه وأما قيصر فلما قرأ الكتاب طواه ثم رفعه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم أما هؤلاء فيمزقون وأما هؤلاء فستكون لهم بقية ويؤيده ما روى أن النبي صلى الله عليه وسلّم لما جاءه جواب كسرى قال مزق الله ملكه ولما جاءه جواب هرقل قال ثبت الله ملكه والله أعلم قوله رواه صالح بن كيسان ويونس ومعمر عن الزهري قال الكرماني يحتمل ذلك وجهين أن يروي البخاري عن الثلاثة بالإسناد المذكور كأنه قال أخبرنا أبو اليمان أخبرنا هؤلاء الثلاثة عن الزهري وأن يروي عنهم بطريق آخر كما أن الزهري يحتمل أيضا في رواية الثلاثة أن يروي لهم عن عبيد الله عن بن عباس وأن يروي لهم عن غيره هذا ما يحتمل اللفظ وإن كان الظاهر الاتحاد قلت