امرأة وصفت زوجها بما يكرهه لكان غيبة مجرمة على من يقوله ويسمعه الا أن كانت في مقام الشكوى منه عند الحاكم وهذا في حق المعين فأما المجهول الذي لا يعرف فلا حرج في سماع الكلام فيه لأنه لا يتأذى الا إذا عرف أن من ذكر عنده يعرفه ثم أن هؤلاء الرجال مجهولون لا تعرف أسماؤهم ولا أعيانهم فضلا عن أسمائهم ولم يثبت النسوة إسلام حتى يجري عليهم حكم الغيبة فبطل الاستدلال به لما ذكر وفيه تقوية لمن كره نكاح من كان لها زوج لما ظهر من اعتراف أم زرع بإكرام زوجها الثاني لها بقدر طاقته ومع ذلك فحقرته وصغرته بالنسبة إلى الزوج الأول وفيه أن الحب يستر الإساءة لأن أبا زرع مع اساءته لها بتطليقها لم يمنعها ذلك من المبالغة في وصفه إلى أن بلغت حد الأفراط والغلو وقد وقع في بعض طرقه إشارة إلى أن أبا زرع ندم على طلاقها وقال في ذلك شعرا ففي رواية عمر بن عبد الله بن عروة عن جده عن عائشة أنها حدثت عن النبي صلى الله عليه وسلّم عن أبي زرع وأم زرع وذكرت شعر أبي زرع على أم زرع وفيه جواز وصف النساء ومحاسنهن للرجل لكن محله إذا كن مجهولات والذي يمنع من ذلك وصف المرأة المعينة بحضرة الرجل أو أن يذكر من وصفها ما لا يجوز للرجال تعمد النظر إليه وفيه أن التشبيه لا يستلزم مساواة المشبه بالمشبه به من كل جهة لقوله صلى الله عليه وسلّم كنت لك كأبي زرع والمراد ما بينه بقوله في رواية الهيثم في الألفة إلى آخره لا في جميع ما وصف به أبو زرع من الثروة الزائدة والابن والخادم وغير ذلك وما لم يذكر من أمور الدين كلها وفه أن كناية الطلاق لا توقعه الا مع مصاحبة النية فإنه صلى الله عليه وسلّم تشبه بأبي زرع وأبو زرع قد طلق فلم يستلزم ذلك وقوع الطلاق لكونه لم يقصد إليه وفيه جواز التأسي بأهل الفضل من كل أمة لأن أم زرع أخبرت عن أبي زرع بجميل عشرته فامتثله النبي صلى الله عليه وسلّم كذا قال المهلب واعترضه عياض فأجاد وهو أنه ليس في السياق ما يقتضي أنه تأسى به بل فيه أنه أخبر انحاله معها مثل حال أم زرع نعم ما استنبطه صحيح باعتبار أن الخبر إذا سيق وظهر من الشارع تقريره مع الاستحسان له جاز التأسي به ونحو مما قاله المهلب قول آخر أن فيه قبول خبر الواحد لأن أم زرع أخبرت بحال أبي زرع فامتثله النبي صلى الله عليه وسلّم وتعقبه عياض أيضا فأجاد نعم يؤخذ منه القبول بطريق أن النبي صلى الله عليه وسلّم اقره ولم ينكره وفيه جواز قول بأبي وأمي ومعناه فداك أبي وأمي وسيأتي تقريره في كتاب الأدب أن شاء الله تعالى وفيه مدح الرجل في وجهه إذا علم أن ذلك لا يفسده وفه جواز القول للمتزوج بالرفاء والبنين أن ثبتت اللفظة الزائدة أخيرا وقد تقدم البحث فيه قبل بأبواب وفيه أن من شأن النساء إذا تحدثن أن لا يكون حديثهن غالبا الا في الرجال وهذا بخلاف الرجال فإن غالب حديثهم إنما هو فيما يتعلق بأمور المعاش وفيه جواز الكلام بالألفاظ الغريبة واستعمال السجع في الكلام إذا لم يكن مكلفا قال عياض ما ملخصه في كلام هؤلاء النسوة من فصاحة الألفاظ وبلاغة العبارة والبديع ما لا مزيد عليه ولا سيما كلام أم زرع فإنه مع كثرة فصوله وقلة فضوله مختار الكلمات واضح السمات نير النسمات قد قدرت ألفاظه قدر معانيه وقررت قواعده وشيدت مبانيه وفي كلامهن ولا سيما الأولى والعاشرة أيضا من فنون التشبيه والاستعارة والكناية والإشارة والموازنة والترصيع والمناسبة والتوسيع والمبالغة والتسجيع والتوليد وضرب المثل وأنواع المجانسة والزام ما لا يلزم والايغال والمقابلة والمطابقة والاحتراس وحسن التفسير والترديد وغرابة التقسيم وغير ذلك أشياء ظاهرة لمن تأملها وقد اشرنا إلى بعضها فيما تقدم وكمل ذلك أن غالب ذلك افرغ في قالب الانسجام وأتى به الخاطر بغير تكلف وجاء لفظه تابعا لمعناه منقادا له غير مستكره ولا منافر والله يمن على من يشاء بما شاء لا إله إلا هو .
4894 - قوله حدثنا