كانت في ثيابه دون جسده وهذا الجواب للمالكية على طريقتهم في جوازه في الثوب دون البدن وقد نقل ذلك مالك عن علماء المدينة وفيه حديث أبي موسى رفعه لا يقبل الله صلاة رجل في جسده شيء من خلوق أخرجه أبو داود فإن مفهومه أن ما عدا الجسد لا يتناوله الوعيد ومنع من ذلك أبو حنيفة والشافعي ومن تبعهما في الثوب أيضا وتمسكوا بالأحاديث في ذلك وهي صحيحة وفيها ما هو صريح في المدعى كما سيأتي بيانه وعلى هذا فأجيب عن قصة عبد الرحمن بأجوبة أحدها أن ذلك كان قبل النهي وهذا يحتاج إلى تاريخ ويؤيده أن سياق قصة عبد الرحمن يشعر بأنها كانت في أوائل الهجرة وأكثر من روى النهي ممن تأخرت هجرته ثانيها أن أثر الصفرة التي كانت على عبد الرحمن تعلقت به من جهة زوجته فكان ذلك غير مقصود له ورجحه النووي وعزاه للمحققين وجعله البيضاوي أصلا رد إليه أحد الاحتمالين ابداهما في قوله مهيم فقال معناه ما السبب في الذي أراه عليك فلذلك أجاب بأنه تزوج قال ويحتمل أن يكون استفهام إنكار لما تقدم من النهي عن التضمخ بالخلوق فأجاب بقوله تزوجت أي فتعلق بي منها ولم اقصد إليه ثالثها أنه كان قد أحتاج إلى التطيب للدخول على أهله فلم يجد من طيب الرجال حينئذ شيئا فتطيب من طيب المرأة وصادف أنه كان فيه صفرة فاستباح القليل منه عند عدم غيره جمعا بين الدليلين وقد ورد الأمر في التطيب للجمعة ولو من طيب المرأة فبقي أثر ذلك عليه رابعها كان يسيرا ولم يبق الا أثره فلذلك لم ينكر خامسها وبه جزم الباجي أن الذي يكره من ذلك ما كان من زعفران وغيره من أنواع الطيب وأما ما كان ليس بطيب فهو جائز سادسها ان النهي عن التزعفر للرجال ليس على التحريم بدلالة تقريره لعبد الرحمن بن عوف في هذا الحديث سابعها أن العروس يستثنى من ذلك ولا سيما إذا كان شابا ذكر ذلك أبو عبيد قال وكانوا يرخصون للشاب في ذلك أيام عرسه قال وقيل كان في أول الإسلام من تزوج لبس ثوبا مصبوغا علامة لزواجه ليعان على وليمة عرسه قال وهذا غير معروف قلت وفي استفهام النبي صلى الله عليه وسلّم له عن ذلك دلالة علي أنه لا يختص بالتزويج لكن وقع في بعض طرقه عند أبي عوانة من طريق شعبة عن حميد بلفظ فأتيت النبي صلى الله عليه وسلّم فرأى علي بشاشة العرس فقال أتزوجت قلت تزوجت امرأة من الأنصار فقد يتمسك بهذا السياق للمدعى ولكن القصة واحدة وفي أكثر الروايات أنه قال له مهيم أو ما هذا فهو المعتمد وبشاشة العرس أثره وحسنه أو فرحه وسروره يقال بش فلان بفلان أي أقبل عليه فرحا به ملطفا به واستدل به على أن النكاح لا بد فيه من صداق لاستفهامه على الكمية ولم يقل هل اصدقتها أولا ويشعر ظاهره بأنه يحتاج إلى تقدير لإطلاق لفظ كم الموضوعة للتقدير كذا قال بعض المالكية وفيه نظر لاحتمال أن يكون المراد الاستخبار عن الكثرة او القلة فيخبره بعد ذلك بما يليق بحال مثله فلما قال له القدر لم ينكر عليه بل اقره واستدل به على استحباب تقليل الصداق لأن عبد الرحمن بن عوف كان من مياسير الصحابة وقد اقره النبي صلى الله عليه وسلّم على اصداقه وزن نواة من ذهب وتعقب بأن ذلك كان في أول الأمر حين قدم المدينة وإنما حصل له اليسار بعد ذلك من ملازمة التجارة حتى ظهرت منه من الإعانة في بعض الغزوات ما اشتهر وذلك ببركة دعاء النبي صلى الله عليه وسلّم له كما تقدم واستدل به على جواز المواعدة لمن يريد أن يتزوج بها إذا طلقها زوجها وأوفت العدة لقول سعد بن الربيع انظر أي زوجتي أعجب إليك حتى اطلقها فإذا انقضت عدتها تزوجتها ووقع تقرير ذلك ويعكر على هذا أنه لم ينقل ان المرأة علمت بذلك ولا سيما ولم يقع تعيينها لكن الاطلاع على أحوالهم إذ ذاك يقتضي إنهما علمتا معا لأن ذلك كان قبل نزول آية الحجاب