يستحب أعلام البكر أن سكوتها إذن لكن لو قالت بعد العقد ما علمت أن صمتي إذن لم يبطل العقد بذلك عند الجمهور وأبطله بعض المالكية وقال بن شعبان منهم يقال لها ذلك ثلاثا أن رضيت فاسكتي وأن كرهت فانطقي وقال بعضهم يطال المقام عندها لئلا تخجل فيمنعها ذلك من المسارعة واختلفوا فيما إذا لم تتكلم بل ظهرت منها قرينة السخط أو الرضا بالتبسم مثلا أو البكاء فعند المالكية أن نفرت أو بكت أو قامت أو ظهر منها ما يدل على الكراهة لم تزوج وعند الشافعية لا أثر لشيء من ذلك في المنع الا أن قرنت مع البكاء الصياح ونحوه وفرق بعضهم بين الدمع فإن كان حارا دل على المنع وأن كان باردا دل على الرضا قال وفي هذا الحديث إشارة إلى أن البكر التي أمر باستئذانها هي البالغ إذ لا معنى لاستئذان من لا تدري ما الإذن ومن يستوي سكوتها وسخطها ونقل بن عبد البر عن مالك أن سكوت البكر اليتيمة قبل أذنها وتفويضها لا يكون رضا منها بخلاف ما إذا كان بعد تفويضها إلى وليها وخص بعض الشافعية الاكتفاء بسكوت البكر البالغ بالنسبة إلى الأب والجد دون غيرهما لأنها تستحي منهما أكثر من غيرهما والصحيح الذي عليه الجمهور استعمال الحديث في جميع الابكار بالنسبة لجميع الأولياء واختلفوا في الأب يزوج البكر البالغ بغير أذنها فقال الأوزاعي والثوري والحنفية ووافقهم أبو ثور يشترط استئذانها فلو عقد عليها بغير استئذان لم يصح وقال الآخرون يجوز للأب أن يزوجها ولو كانت بالغا بغير استئذان وهو قول بن أبي ليلى ومالك والليث والشافعي وأحمد وإسحاق ومن حجتهم مفهوم حديث الباب لأنه جعل الثيب أحق بنفسها من وليها فدل على أن ولي البكر أحق بها منها واحتج بعضهم بحديث يونس بن أبي إسحاق عن أبي بردة عن أبي موسى مرفوعا تستأمر اليتيمة في نفسها فإن سكتت فهو أذنها قال فقيد ذلك باليتيمة فيحمل المطلق عليه وفيه نظر لحديث بن عباس الذي ذكرته بلفظ يستأذنها أبوها فنص على ذكر الأب وأجاب الشافعي بان المؤامرة قد تكون عن استطابة النفس ويؤيده حديث بن عمر رفعه وامروا النساء في بناتهن أخرجه أبو داود قال الشافعي لا خلاف أنه ليس للام أمر لكنه على معنى استطابة النفس وقال البيهقي زيادة ذكر الأب في حديث بن عباس غير محفوظة قال الشافعي زادها بن عيينة في حديثه وكان بن عمر والقاسم وسالم يزوجون الابكار لا يستأمرونهن قال البيهقي والمحفوظ في حديث بن عباس البكر تستأمر ورواه صالح بن كيسان بلفظ واليتيمة تستأمر وكذلك رواه أبو بردة عن أبي موسى ومحمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة فدل على أن المراد بالبكر اليتيمة قلت وهذا لا يدفع زيادة الثقة الحافظ بلفظ الأب ولو قال قائل بل المراد باليتيمة البكر لم يدفع وتستأمر بضم أوله يدخل فيه الأب وغيره فلا تعارض بين الروايات ويبقى النظر في أن الاستثمار هل هو شرط في صحة العقد أو مستحب على معنى استطابة النفس كما قال الشافعي كل من الامرين محتمل وسيأتي مزيد بحث فيه في الباب الذي يليه أن شاء الله تعالى واستدل به على أن الصغيرة الثيب لا اجبار عليها لعموم كونها أحق بنفسها من وليها وعلى أن من زالت بكارتها بوطء ولو كان زنا لا اجبار عليها لأب ولا غيره لعموم قوله الثيب أحق بنفسها وقال أبو حنيفة هي كالبكر وخالفه حتى صاحباه واحتج له بان علة الاكتفاء بسكوت البكر هو الحياء وهو باق في هذه لأن المسألة مفروضة فيمن زالت بكارتها بوطء لا فيمن اتخذت الزنا ديدنا وعادة وأجيب بان الحديث نص على أن الحياء يتعلق بالبكر وقابلها بالثيب فدل على أن حكمهما مختلف وهذه ثيب لغة وشرعا بدليل أنه لو أوصى بعتق كل ثيب في ملكه دخلت إجماعا وأما بقاء حيائها