لا تؤاخذني بما نسيت وقد سيق قول الصحابة ربنا لا تؤاخذنا أن نسينا مساق المدح قال تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلّم سنقرئك فلا تنسى الا ما شاء الله فالذي يظهر أن ذلك ليس متعلق الذم وجنح إلى اختيار الوجه الثاني وهو كالأول لكن سبب الذم ما فيه من الأشعار بعدم الاعتناء بالقرآن إذ لا يقع النسيان الا بترك التعاهد وكثرة الغفلة فلو تعاهده بتلاوته والقيام به في الصلاة لدام حفظه وتذكره فإذا قال الإنسان نسيت الآية الفلانية فكأنه شهد على نفسه بالتفريط فيكون متعلق الذم ترك الاستذكار والتعاهد لأنه الذي يورث النسيان الوجه الثالث قال الإسماعيلي يحتمل أن يكون كره له أن يقول نسيت بمعنى تركت لا بمعنى السهو العارض كما قال تعالى نسوا الله فنسيهم وهذا اختيار أبي عبيد وطائفة الوجه الرابع قال الإسماعيلي أيضا يحتمل أن يكون فاعل نسيت النبي صلى الله عليه وسلّم كأنه قال لا يقل أحد عني إني نسيت آية كذا فإن الله هو الذي نساني ذلك لحكمة نسخه ورفع تلاوته وليس لي في ذلك صنع بل الله هو الذي ينسيني لما تنسخ تلاوته وهو كقوله تعالى سنقرئك فلا تنسى الا ما شاء الله فإن المراد بالمنسى ما ينسخ تلاوته فينسى الله نبيه ما يريد نسخ تلاوته الوجه الخامس قال الخطابي يحتمل أن يكون ذلك خاصا بزمن النبي صلى الله عليه وسلّم وكان من ضروب النسخ نسيان الشيء الذي ينزل ثم ينسخ منه بعد نزوله الشيء فيذهب رسمه وترفع تلاوته ويسقط حفظه عن حملته فيقول القائل نسيت آية كذا فنهوا عن ذلك لئلا يتوهم على محكم القرآن الضياع وأشار لهم إلى أن الذي يقع من ذلك إنما هو بإذن الله لما رآه من الحكمة والمصلحة الوجه السادس قال الإسماعيلي وفيه وجه آخر وهو أن النسيان الذي هو خلاف الذكر اضافته إلى صاحبه مجاز لأنه عارض له لا عن قصد منه لأنه لو قصد نسيان الشيء لكان ذاكرا له في حال قصده فهو كما قال ما مات فلان ولكن اميت قلت وهو قريب من الوجه الأول وأرجح الأوجه الوجه الثاني ويؤيده عطف الأمر باستذكار القرآن عليه وقال عياض أولي ما يتأول عليه ذم الحال لا ذم القول أي بئس الحال حال من حفظه ثم غفل عنه حتى نسيه وقال النووي الكراهة فيه للتنزيه قوله واستذكروا القرآن أي واظبوا على تلاوته واطلبوا من أنفسكم المذاكرة به قال الطيبي وهو عطف من حيث المعنى على قوله بئس ما لأحدكم أي لا تقصروا في معاهدته واستذكروه وزاد بن أبي داود من طريق عاصم عن أبي وائل في هذا الموضع فإن هذا القرآن وحشي وكذا أخرجها من طريق المسيب بن رافع عن بن مسعود قوله فإنه أشد تفصيا بفتح الفاء وكسر الصاد المهملة الثقيلة بعدها تحتانية خفيفة أي تفلتا وتخلصا تقول تفصيت كذا أي احطت بتفاصيله والاسم الفصة ووقع في حديث عقبة بن عامر بلفظ تفلتا وكذا وقعت عند مسلم في حديث أبي موسى ثالث أحاديث الباب ونصب على التمييز وفي هذا الحديث زيادة على حديث بن عمر لأن في حديث بن عمر تشبيه أحد الامرين بالاخر وفي هذا أن هذا أبلغ في النفور من الإبل ولذا أفصح به في الحديث الثالث حيث قال لهو أشد تفصيا من الإبل في عقلها لأن من شأن الإبل تطلب التفلت ما أمكنها فمتى لم يتعاهدها برباطها تفلتت فكذلك حافظ القرآن أن لم يتعاهده تفلت بل هو أشد في ذلك وقال بن بطال هذا الحديث يوافق الآيتين قوله تعالى إنا سنلقي عليك قولا ثقيلا وقوله تعالى ولقد يسرنا القرآن للذكر فمن أقبل عليه بالمحافظة والتعاهد يسر له ومن اعرض عنه تفلت منه .
4745 - قوله حدثنا عثمان هو بن أبي شيبة وجرير هو بن عبد الحميد ومنصور هو المذكور في الإسناد الذي قبله وهذه الطريق ثبتت عند الكشميهني وحده