أي كثير الاستغناء وقال المغيرة بن حبناء كلانا غنى عن أخيه حياته ونحن إذا متنا أشد تغانيا قال فعلى هذا يكون المعنى من لم يستغن بالقرآن عن الإكثار من الدنيا فليس منا أي على طريقتنا واحتج أبو عبيد أيضا بقول بن مسعود من قرأ سورة آل عمران فهو غنى ونحو ذلك وقال بن الجوزي اختلفوا في معنى قوله يتغنى على أربعة أقوال أحدها تحسين الصوت والثاني الاستغناء والثالث التحزن قاله الشافعي والرابع التشاغل به تقول العرب تغني بالمكان أقام به قلت وفيه قول آخر حكاه بن الأنباري في الزاهر قال المراد به التلذذ الاستحلاء له كما يستلذ أهل الطرب بالغناء فأطلق عليه تغنيا من حيث أنه يفعل عنده ما يفعل عند الغناء وهو كقول النابغة بكاء حمامة تدعو هديلا مفجعة على فنن تغني أطلق على صوتها غناء لأنه يطرب كما يطرب الغناء وإن لم يكن غناء حقيقة وهو كقولهم العمائم تيجان العرب لكونها تقوم مقام التيجان وفيه قول آخر حسن وهو أن يجعله هجيراه كما يجعل المسافر والفارغ هجيراه الغناء قال بن الأعرابي كانت العرب إذا ركبت الإبل تتغنى وإذا جلست في أفنيتها وفي أكثر أحوالها فلما نزل القرآن أحب النبي صلى الله عليه وسلّم أن يكون هجيراهم القراءة مكان التغني ويؤيد القول الرابع بيت الأعشى المتقدم فإنه أراد بقوله طويل التغني طول الإقامة لا الاستغناء لأنه أليق بوصف الطول من الاستغناء يعني أنه كان ملازما لوطنه بين أهله كانوا يتمدحون بذلك كما قال حسان أولاد جفنة حول قبر أبيهم قبر بن مارية الكريم المفضل أراد أنهم لا يحتاجون إلى الانتجاع ولا يبرحون من أوطانهم فيكون معنى الحديث الحث على ملازمة القرآن وأن لا يتعدى إلى غيره وهو يئول من حيث المعنى إلى ما اختاره البخاري من تخصيص الاستغناء وأنه يستغني به عن غيره من الكتب وقيل المراد من لم يغنه القرآن وينفعه في إيمانه ويصدق بما فيه من وعد ووعيد وقيل معناه من لم يرتح لقراءته وسماعه وليس المراد ما اختاره أبو عبيد أنه يحصل به الغنى دون الفقر لكن الذي اختاره أبو عبيد غير مدفوع إذا أريد به الغنى المعنوي وهو غنى النفس وهو القناعة لا الغنى المحسوس الذي هو ضد الفقر لأن ذلك لا يحصل بمجرد ملازمة القراءة إلا إن كان ذلك بالخاصية وسياق الحديث يأبى الحمل على ذلك فإن فيه إشارة إلى الحث على تكلف ذلك وفي توجيهه تكلف كأنه قال ليس منا من لم يتطلب الغني بملازمة تلاوته وأما الذي نقله عن الشافعي فلم أره صريحا عنه ي تفسير الخبر وإنما قال في مختصر المزني وأحب أن يقرأ حدرا وتحزينا انتهى قال أهل اللغة حدرت القراءة أدرجتها ولم أمططها وقرأ فلان تحزينا إذا رقق صوته وصيره كصوت الحزين وقد روى بن أبي داود بإسناد حسن عن أبي هريرة أنه قرأسورة فحزنها شبه الرثي وأخرجه أبو عوانة عن الليث بن سعد قال يتغنى به يتحزن به ويرقق به قلبه وذكر الطبري عن الشافعي أنه سئل عن تأويل بن عيينة التغني بالاستغناء فلم يرتضه وقال لو أراد الاستغناء لقال لم يستغن وإنما أراد تحسين الصوت قال بن بطال وبذلك فسره بن أبي مليكة وعبد الله بن المبارك والنضر بن شميل ويؤيده