وأما الرؤيا الصالحة فقال بن بطال لا ترد لأن السؤال وقع عما ينفرد به عن الناس لأن الرؤيا قد يشركه فيها غيره اه والرؤيا الصادقه وأن كانت جزءا من النبوة فهي باعتبار صدقها لا غير وإلا لساغ لصاحبها أن يسمى نبيا وليس كذلك ويحتمل أن يكون السؤال وقع عما في اليقظة أو لكون حال المنام لا يخفى على السائل فاقتصر على ما يخفى عليه أو كان ظهور ذلك له صلى الله عليه وسلّم في المنام أيضا على الوجهين المذكورين لاغير قاله الكرماني وفيه نظر وقد ذكر الحليمي أن الوحي كان يأتيه على ستة وأربعين نوعا فذكرها وغالبها من صفات حامل الوحي ومجموعها يدخل فيما ذكر وحديث أن روح القدس نفث في روعي أخرجه بن أبي الدنيا في القناعة وصححه الحاكم من طريق بن مسعود قوله مثل صلصلة الجرس في رواية مسلم في مثل صلصلة الجرس والصلصلة بمهملتين مفتوحتين بينهما لام ساكنة في الأصل صوت وقوع الحديد بعضه على بعض ثم أطلق على كل صوت له طنين وقيل هو صوت متدارك لايدرك في أول وهلة والجرس الجلجل الذي يعلق في رؤوس الدواب واشتقاقه من الجرس بإسكان الراء وهو الحس وقال الكرماني الجرس ناقوس صغير أو سطل في داخله قطعة نحاس يعلق منكوسا على البعير فإذا تحرك تحركت النحاسة فأصابت السطل فحصلت الصلصلة اه وهو تطويل للتعريف بما لا طائل تحته وقوله قطعة نحاس معترض لا يختص به وكذا البعير وكذا قوله منكوسا لأن تعليقه على تلك الصورة هو وضعه المستقيم له فإن قيل المحمود لا يشبه بالمذموم إذ حقيقة التشبيه الحاق ناقص بكامل والمشبه الوحي وهو محمود والمشبه به صوت الجرس وهو مذموم لصحة النهي عنه والتنفير من مرافقة ما هو معلق فيه والاعلام بأنه لا تصحبهم الملائكة كما أخرجه مسلم وأبو داود وغيرهما فكيف يشبه ما فعله الملك بأمر تنفر منه الملائكة والجواب أنه لا يلزم في التشبيه تساوي المشبه بالمشبه به في الصفات كلها بل ولا في أخص وصف له بل يكفي اشتراكهما في صفة ما فالمقصود هنا بيان الجنس فذكر ما ألف السامعون سماعه تقريبا لأفهامهم والحاصل أن الصوت له جهتان جهة قوة وجهة طنين فمن حيث القوة وقع التشبيه به ومن حيث الطرب وقع التنفير عنه وعلل بكونه مزمار الشيطان ويحتمل أن يكون النهي عنه وقع بعد السؤال المذكور وفيه نظر قيل والصلصلة المذكورة صوت الملك بالوحي قال الخطابي يريد أنه صوت متدارك يسمعه ولا يتبينه أول ما يسمعه حتى يفهمه بعد وقيل بل هو صوت حفيف أجنحة الملك والحكمة في تقدمه أن يقرع سمعه الوحي فلا يبقى فيه مكان لغيره ولما كان الجرس لا تحصل صلصلته الا متداركة وقع التشبيه به دون غيره من الآلات وسيأتي كلام بن بطال في هذا المقام في الكلام على حديث بن عباس إذا قضى الله الأمر في السماء ضربت الملائكة بأجنحتها الحديث عند تفسير قوله حتى إذا فزع عن قلوبهم في تفسير سورة سبأ إن شاء الله تعالى قوله وهو أشده على يفهم منه أن الوحي كله شديد ولكن هذه الصفة أشدها وهو واضح لأن الفهم من كلام مثل الصلصلة أشكل من الفهم من كلام الرجل بالتخاطب المعهود والحكمة فيه أن العادة جرت بالمناسبه بين القائل والسامع وهي هنا إما باتصاف السامع بوصف القائل بغلبة الروحانية وهو النوع الأول وإما باتصاف القائل بوصف السامع وهو البشرية وهو النوع الثاني والأول أشد بلا شك وقال شيخنا شيخ الإسلام البلقيني سبب ذلك أن الكلام العظيم له مقدمات تؤذن بتعظيمه للاهتمام به كما سيأتي في حديث بن عباس كان يعالج من التنزيل شدة قال وقال بعضهم وإنما كان شديدا عليه ليستجمع قلبه فيكون أوعى لما سمع أه وقيل إنه إنما كان ينزل هكذا إذا نزلت آية وعيد أو تهديد وهذا فيه نظر والظاهر أنه لا يختص بالقرآن كما سيأتي بيانه في حديث يعلى بن أمية في قصة لابس الجبة المتضمخ بالطيب في الحج فإن فيه أنه رآه صلى الله عليه وسلّم حال نزول الوحي عليه وإنه ليغط وفائدة هذه الشدة ما يترتب على المشقة من زيادة الزلفى والدرجات قوله فيفصم بفتح أوله وسكون الفاء وكسر المهملة أي يقلع ويتجلى ما يغشاني ويروى بضم أوله من الرباعي وفي رواية لأبي ذر بضم أوله وفتح الصاد