هشام فإنه كان قريب العهد بالإسلام فخشي عمر من ذلك أن لا يكون أتقن القراءة بخلاف نفسه فإنه كان قد أتقن ما سمع وكان سبب اختلاف قراءتهما أن عمر حفظ هذه السورة من رسول الله صلى الله عليه وسلّم قديما ثم لم يسمع ما نزل فيها بخلاف ما حفظه وشاهده ولأن هشاما من مسلمة الفتح فكان النبي صلى الله عليه وسلّم أقرأه على ما نزل أخيرا فنشأ اختلافهما من ذلك ومبادرة عمر للإنكار محمولة على أنه لم يكن سمع حديث أنزل القرآن على سبعة أحرف إلا في هذه الوقعة قوله فانطلقت به أقوده إلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم كأنه لما لببه بردائه صار يجره به فلهذا صار قائدا له ولولا ذلك لكان يسوقه ولهذا قال له النبي صلى الله عليه وسلّم لما وصلا إليه أرسله قوله إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف هذا أورده النبي صلى الله عليه وسلّم تطمينا لعمر لئلا ينكر تصويب الشيئين المختلفين وقد وقع عند الطبري من طريق إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أبيه عن جده قال قرأ رجل فغير عليه عمر فاختصما عند النبي صلى الله عليه وسلّم فقال الرجل ألم تقرئني يا رسول الله قال بلى قال فوقع في صدر عمر شيء عرفه النبي صلى الله عليه وسلّم في وجهه قال فضرب في صدره وقال أبعد شيطانا قالها ثلاثا ثم قال يا عمر القرآن كله صواب ما لم تجعل رحمة عذابا أو عذابا رحمة ومن طريق بن عمر سمع عمر رجلا يقرأ فذكره نحوه ولم يذكر نحوه ولم يذكر فوقع في صدر عمر لكن قال في آخره أنزل القرآن على سبعة أحرف كلها كاف شاف ووقع لجماعة من الصحابة نظير ما وقع لعمر مع هشام منها لأبي بن كعب مع بن مسعود في سورة النحل كما تقدم ومنها ما أخرجه أحمد عن أبي قيس مولى عمرو بن العاص عن عمرو أن رجلا قرأ آية من القرآن فقال له عمرو إنما هي كذا وكذا فذكرا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلّم فقال إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف فأي ذلك قرأتم أصبتم فلا تماروا فيه إسناده حسن ولأحمد أيضا وأبي عبيد والطبري من حديث أبي جهم بن الصمة أن رجلين اختلفا في آية من القرآن كلاهما يزعم أنه تلقاها من رسول الله صلى الله عليه وسلّم فذكر نحو حديث عمرو بن العاص وللطبري والطبراني عن زيد بن أرقم قال جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم فقال أقرأني بن مسعود سورة أقرأنيها زيد وأقرأنيها أبي بن كعب فاختلفت قراءتهم فبقراءة أيهم آخذ فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلّم وعلى إلى جنبه فقال على ليقرأ كل إنسان منكم كما علم فإنه حسن جميل ولابن حبان والحاكم من حديث بن مسعود أقرأني رسول الله صلى الله عليه وسلّم سورة من آل حم فرحت إلى المسجد فقلت لرجل أقرأها فإذا هو يقرأ حروفا ما أقرؤها فقال أقرانيها رسول الله صلى الله عليه وسلّم فانطلقنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم فأخبرناه فتغير وجهه وقال إنما أهلك من كان قبلكم الاختلاف ثم أسر إلى على شيئا فقال على أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم يأمركم أن يقرأ كل رجل منكم كما علم قال فانطلقنا وكل رجل منا يقرأ حروفا لا يقرؤها صاحبه وأصل هذا سيأتي في آخر حديث في كتاب فضائل القرآن وقداختلف العلماء في المراد بالأحرف السبعة على أقوال كثيرة بلغها أبو حاتم بن حبان إلى خمسة وثلاثين قولا وقال المنذري أكثرها غير مختار قوله فاقرءوا ما تيسر منه أي من المنزل وفيه إشارة إلى الحكمة في التعدد المذكور وأنه للتيسير على القارئ وهذا يقوي قول من قال المراد بالأحرف تأدية المعنى باللفظ المرادف ولو كان من لغة واحدة لأن لغة هشام بلسان قريش وكذلك عمر ومع ذلك فقد اختلفت قراءتهما نبه على ذلك بن عبد البر ونقل عن أكثر أهل العلم أن هذا هو المراد بالأحرف السبعة وذهب أبو عبيد وآخرون إلى أن المراد اختلاف اللغات وهو اختيار بن عطية وتعقب بأن لغات العرب أكثر من سبعة وأجيب بأن المراد أفصحها فجاء عن أبي صالح عن بن عباس قال نزل القرآن على سبع لغات منها خمس بلغة