القرآن فيصير إلى حالة الخفاء بعد الشهرة رجعا إليه قال ودل ذلك على أن فعل الرسول إذا تجرد عن القرائن وكذا تركه لا يدل على وجوب ولا تحريم انتهى وليس ذلك من الزيادة على احتياط الرسول بل هو مستمد من القواعد التي مهدها الرسول صلى الله عليه وسلّم قال بن الباقلاني كان الذي فعله أبو بكر من ذلك فرض كفاية بدلالة قوله صلى الله عليه وسلّم لا تكتبوا عني شيئا غير القرآن مع قوله تعالى إن علينا جمعه وقرآنه وقوله إن هذا لفي الصحف الأولى وقوله رسول من الله يتلو صحفا مطهرة قال فكل أمر يرجع لاحصائه وحفظه فهو واجب على الكفاية وكان ذلك من النصيحة لله ورسوله وكتابه وأئمة المسلمين وعامتهم قال وقد فهم عمر أن ترك النبي صلى الله عليه وسلّم جمعه لا دلالة فيه علىالمنع ورجع إليه أبو بكر لما رأى وجه الإصابة في ذلك وأنه ليس في المنقول ولا في المعقول ما ينافيه وما يترتب على ترك جمعه من ضياع بعضه ثم تابعهما زيد بن ثابت وسائر الصحابة على تصويب ذلك قوله فوالله لو كلفوني نقل جبل من الجبال ما ما كان أثقل على مما أمرني به كأنه جمع أولا باعتبار أبي بكر ومن وافقه وأفرد باعتبار أنه الآمر وحده بذلك ووقع في رواية شعيب عن الزهري لو كلفني بالإفراد أيضا وإنما قال زيد بن ثابت ذلك لما خشيه من التقصير في إحصاء ما أمر بجمعه لكن الله تعالى يسر له ذلك كما قال تعالى ولقد يسرنا القرآن للذكر قوله فتتبعت القرآن أجمعه أي من الأشياء التي عندي وعند غيري قوله من العسب بضم المهملتين ثم موحدة جمع عسيب وهو جريد النخل كانوا يكشطون الخوص ويكتبون في الطرف العريض وقيل العسيب طرف الجريدة العريض الذي لم ينبت عليه الخوص والذي ينبت عليه الخوص هو السعف ووقع في رواية بن عيينة عن بن شهاب القصب والعسب والكرانيف وجرائد النخل ووقع في رواية شعيب من الرقاع جمع رقعة وقد تكون من جلد أو ورق أو كاغد وفي رواية عمار بن غزية وقطع الأديم وفي رواية بن أبي داود من طريق أبي داود الطيالسي عن إبراهيم بن سعد والصحف قوله واللخاف بكسر اللام ثم خاء معجمة خفيفة وآخره فاء جمع لخفة بفتح اللام وسكون المعجمة ووقع في رواية أبي داود الطيالسي عن إبراهيم بن سعد واللخف بضمتين وفي آخره فاء قال أبو داود الطيالسي في روايته هي الحجارة الرقاق وقال الخطابي صفائح الحجارة الرقاق قال الأصمعي فيها عرض ودقة وسيأتي للمصنف في الأحكام عن أبي ثابت أحد شيوخه أنه فسره بالخزف بفتح المعجمة والزاي ثم فاء وهي الآنية التي تصنع من الطين المشوي ووقع في رواية شعيب والأكتاف جمع كتف وهو العظم الذي للبعير أو الشاة كانوا إذا جف كتبوا فيه وفي رواية عمارة بن غزية وكسر الأكتاف وفي رواية بن مجمع عن بن شهاب عند بن أبي داود والاضلاع وعنده من وجه آخر والأقتاب بقاف ومثناة وآخره موحدة جمع قتب بفتحتين وهو الخشب الذي يوضع على ظهر البعير ليركب عليه وعند بن أبي داود أيضا في المصاحف من طريق يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب قال قام عمر فقال من كان تلقى من رسول الله صلى الله عليه وسلّم شيئا من القرآن فليأت به وكانوا يكتبون ذلك في الصحف والألواح والعسب قال وكان لا يقبل من أحد شيئا حتى يشهد شاهدان وهذا يدل على أن زيدا كان لا يكتفي بمجرد وجدانه مكتوبا حتى يشهد به من تلقاه سماعا مع كون زيد كان يحفظه وكان يفعل ذلك مبالغة في الاحتياط وعند بن أبي داود أيضا من طريق هشام بن عروة عن أبيه أن أبا بكر قال لعمر ولزيد اقعدا على باب المسجد فمن جاءكما بشاهدين على شيء من كتاب الله فاكتباه ورجاله ثقات مع انقطاعه وكأن المراد بالشاهدين الحفظ