يحتمل أن يكون اعتمادهم على قوله لا ربا إلا في النسيئة لورود ذلك في بعض طرق الحديث المذكور فلا يفيد ذلك في رد إفادة الحصر بل يقويه ويشعر بأن مفاد الصيغتين عندهم واحد وإلا لما استعملوا هذه موضع هذه وأوضح من هذا حديث إنما الماء من الماء فإن الصحابة الذين ذهبوا إليه لم يعارضهم الجمهور في فهم الحصر منه وإنما عارضهم في الحكم من أدلة أخرى كحديث إذا التقي الختانان وقال بن عطية إنما لفظ لا يفارقه المبالغه والتأكيد حيث وقع ويصلح مع ذلك للحصر إن دخل في قصة ساعدت عليه فجعل وروده للحصر مجازا يحتاج إلى قرينه وكلام غيره على العكس من ذلك وأن أصل ورودها للحصر لكن قد يكون في شيء مخصوص كقوله تعالى إنما الله إله واحد فأنه سيق باعتبار منكري الوحدانية وإلا فلله سبحانه صفات أخرى كالعلم والقدره وكقوله تعالى إنما أنت منذر فأنه سيق باعتبار منكري الرسالة وإلا فله صلى الله عليه وسلّم صفات أخرى كالبشارة إلى غير ذلك من الأمثله وهي فيما يقال السبب في قول من منع إفادتها للحصر مطلقا تكميل الأعمال تقتضي عاملين والتقدير الأعمال الصادرة من المكلفين وعلى هذا هل تخرج أعمال الكفار الظاهر الإخراج لأن المراد بالأعمال أعمال العبادة وهي لا تصح من الكافر وإن كان مخاطبا بها معاقبا على تركها ولا يرد العتق والصدقه لأنهما بدليل آخر قوله بالنيات الباء للمصاحبه ويحتمل أن تكون للسببية بمعنى أنها مقومة للعمل فكأنها سبب في ايجاده وعلى الأول فهي من نفس العمل فيشترط أن لا تتخلف عن أوله قال النووي النية القصد وهي عزيمة القلب وتعقبه الكرماني بأن عزيمة القلب قدر زائد على أصل القصد واختلف الفقهاء هل هي ركن أو شرط والمرجح أن ايجادها ذكرا في أول العمل ركن واستصحابها حكما بمعنى أن لا يأتي بمناف شرعا شرط ولا بد من محذوف يتعلق به الجار والمجرور فقيل تعتبر وقيل تكمل وقيل تصح وقيل تحصل وقيل تستقر قال الطيبي كلام الشارع محمول على بيان الشرع لأن المخاطبين بذلك هم أهل اللسان فكأنهم خوطبوا بما ليس لهم به علم إلا من قبل الشارع فيتعين الحمل على ما يفيد الحكم الشرعي وقال البيضاوي النية عبارة عن انبعاث القلب نحو ما يراه موافقا لغرض من جلب نفع أو دفع ضر حالا أو مآلا والشرع خصصه بالارادة المتوجهة نحو الفعل لابتغاء رضاء الله وامتثال حكمه والنية في الحديث محمولة على المعنى اللغوي ليحسن تطبيقه على ما بعده وتقسيمه أحوال المهاجر فأنه تفصيل لما أجمل والحديث متروك الظاهر لأن الذوات غير منتفية إذ التقدير لا عمل الا بالنية فليس المراد نفى ذات العمل لأنه قد يوجد بغير نية بل المراد نفى احكامها كالصحة والكمال لكن الحمل على نفى الصحة أولى لأنه أشبه بنفي الشيء نفسه ولأن اللفظ دل على نفي الذات بالتصريح وعلى نفي الصفات بالتبع فلما منع الدليل نفى الذات بقيت دلالته على نفي الصفات مستمرة وقال شيخنا شيخ الإسلام الأحسن تقدير ما يقتضي أن الأعمال تتبع النية لقوله في الحديث فمن كانت هجرته إلى آخره وعلى هذا يقدر المحذوف كونا مطلقا من أسم فاعل أو فعل ثم لفظ العمل يتناول فعل الجوارح حتى اللسان فتدخل الأقوال قال بن دقيق العيد وأخرج بعضهم الأقوال وهو بعيد ولا تردد عندي في أن الحديث يتناولها وأما التروك فهي وأن كانت فعل كف لكن لايطلق عليها لفظ العمل وقد تعقب على من يسمى القول عملا لكونه عمل اللسان بأن من حلف لا يعمل عملا فقال قولا لا يحنث وأجيب بأن مرجع اليمين إلى العرف والقول لا يسمى عملا في العرف ولهذا يعطف عليه والتحقيق أن القول لا يدخل في العمل حقيقة ويدخل مجازا وكذا الفعل لقوله تعالى ولو شاء ربك ما فعلوه بعد قوله زخرف القول وأما عمل القلب كالنية فلا يتناولها الحديث لئلا يلزم التسلسل والمعرفة وفي تناولها نظر قال بعضهم هو محال لأن النية قصد المنوى وإنما يقصد المرء ما يعرف فيلزم أن يكون عارفا قبل المعرفة وتعقبه شيخنا شيخ الإسلام سراج الدين البلقيني بما حاصله إن كان المراد بالمعرفة مطلق الشعور فمسلم وإن كان المراد النظر في الدليل فلا لأن كل ذي عقل يشعر مثلا بأن له من يدبره فإذا أخذ في النظر في الدليل عليه ليتحققه لم