فقال النبي صلى الله عليه وسلّم لأصحابه إن ركبوا وجعلوا الاثقال تتبع آثار الخيل فهم يريدون البيوت وان ركبوا الاثقال وتجنبوا الخيل فهم يريدون الرجوع فتبعهم سعد بن أبي وقاص ثم رجع فقال رأيت الخيل مجنوبة فطابت أنفس المسلمين ورجعوا إلى قتلاهم فدفنوهم في ثيابهم ولم يغسلوهم ولم يصلوا عليهم وبكى المسلمون على قتلاهم فسر المنافقون وظهر غش اليهود وفارت المدينة بالنفاق فقالت اليهود لو كان نبيا ما ظهروا عليه وقالت المنافقون لو أطاعونا ما أصابهم هذا قال العلماء وكان في قصة أحد وما أصيب به المسلمون فيها من الفوائد والحكم الربانية أشياء عظيمة منها تعريف المسلمين سوء عاقبة المعصية وشؤم ارتكاب النهي لما وقع من ترك الرماة موقفهم الذي أمرهم الرسول أن لا يبرحوا منه ومنها أن عادة الرسل أن تبتلي وتكون لها العاقبة كما تقدم في قصة هرقل مع أبي سفيان والحكمة في ذلك أنهم لو انتصروا دائما دخل في المؤمنين من ليس منهم ولم يتميز الصادق من غيره ولو انكسروا دائما لم يحصل المقصود من البعثة فاقتضت الحكمة الجمع بين الأمرين لتمييز الصادق من الكاذب وذلك أن نفاق المنافقين كان مخفيا عن المسلمين فلما جرت هذه القصة وأظهر أهل النفاق ما أظهروه من الفعل والقول عاد التلويح تصريحا وعرف المسلمون أن لهم عدوا في دورهم فاستعدوا لهم وتحرزوا منهم ومنها أن في تأخير النصر في بعض المواطن هضما للنفس وكسرا لشماختها فلما ابتلى المؤمنون صبروا وجزع المنافقون ومنها أن الله هيأ لعباده المؤمنين منازل في دار كرامته لا تبلغها أعمالهم فقيض لهم أسباب الابتلاء والمحن ليصلوا إليها ومنها أن الشهادة من أعلى مراتب الأولياء فساقها إليهم ومنها أنه أراد إهلاك أعدائه فقيض لهم الأسباب التي يستوجبون بها ذلك من كفرهم وبغيهم وطغيانهم في أذى أوليائه فمحص بذلك ذنوب المؤمنين ومحق بذلك الكافرين ثم ذكر المصنف آيات من آل عمران في هذا الباب وفيما بعده كلها تتعلق بوقعة أحد وقد قال بن إسحاق أنزل الله في شأن أحد ستين آية من آل عمران وروى بن أبي حاتم من طريق المسور بن مخرمة قال قلت لعبد الرحمن بن عوف أخبرني عن قصتكم يوم أحد قال اقرأ العشرين ومائة من آل عمران تجدها وإذ غدوت من أهلك تبويء المؤمنين مقاعد للقتال إلى قوله آمنة نعاسا قوله وقول الله تعالى وإذ غدوت من أهلك تبويء المؤمنين مقاعد للقتال والله سميع عليم وقوله غدوت أي خرجت أول النهار والعامل في إذ مضمر تقديره واذكر إذ غدوت وقوله تبويء المؤمنين أي تنزلهم وأصله من المآب وهو المرجع والمقاعد جمع مقعد والمراد به مكان القعود وروى الطبري من طريق سعيد عن قتادة قال غدا نبي الله من أهله يوم أحد يبوئ المؤمنين مقاعد للقتال ومن طريق مجاهد والسدي وغيرهما نحوه ومن طريق الحسن أن ذلك كان يوم الأحزاب ووهاه قوله ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين الأصل توهنوا فحذفت الواو والوهن الضعف يقال وهن بالفتح يهن بالكسر في المضارع وهذا هو الأفصح ويستعمل وهن لازما ومتعديا قال تعالى وهن العظم مني وفي الحديث وهنتهم حمى يثرب والأعلون جمع أعلى وقوله ان كنتم مؤمنين محذوف الجواب وتقديره فلا تهنوا ولا تحزنوا وأخرج الطبري من طريق مجاهد في قوله ولا تهنوا أي لا تضعفوا ومن طريق الزهري قال كثر في أصحاب النبي صلى الله عليه وسلّم القتل والجراح حتى خلص إلى كل امرئ منهم نصيب فاشتد حزنهم فعزاهم الله أحسن تعزية ومن طريق قتادة نحوه قال فعزاهم وحثهم على قتال عدوهم ونهاهم عن العجز ومن طريق بن جريج قال في قوله ولا تهنوا أي لا تضعفوا في أمر عدوكم ولا