واستبعد بعض المتأخرين ما ذكره بن دريد فقال القول بأنه موضع باليمن أنسب لأن النبي صلى الله عليه وسلّم لا يدعوهم إلى جهنم وخفي عليهم أن هذا بطريق المبالغة فلا يراد به الحقيقة ثم ظهر لي أن لا تنافي بين القولين فيحمل قوله جهنم على مجاز المجاورة بناء على القول بأن برهوت مأوى أرواح الكفار وهم أهل النار قوله بن الدغنة بضم المهملة والمعجمة وتشديد النون عند أهل اللغة وعند الرواة بفتح أوله وكسر ثانيه وتخفيف النون قال الأصيلي وقرأه لنا المروزي بفتح الغين وقيل إن ذلك كان لاسترخاء في لسانه والصواب الكسر وثبت بالتخفيف والتشديد من طريق وهي أمه وقيل أم أبيه وقيل دابته ومعنى الدغنة المسترخية وأصلها الغمامة الكثيرة المطر واختلف في اسمه فعند البلاذري من طريق الواقدي عن معمر عن الزهري أنه الحارث بن يزيد وحكى السهيلي أن اسمه مالك ووقع في شرح الكرماني أن بن إسحاق سماه ربيعة بن رفيع وهو وهم من الكرماني فان ربيعة المذكور آخر يقال له بن الدغنة أيضا لكنه سلمي والمذكور هنا من القارة فاختلفا وأيضا السلمي إنما ذكره بن إسحاق في غزوة حنين وأنه صحابي قتل دريد بن الصمة ولم يذكره بن إسحاق في قصة الهجرة وفي الصحابة ثالث يقال له بن الدغنة لكن اسمه حابس وهو كلبي له قصة في سبب إسلامه وأنه رأى شخصا من الجن فقال له يا حابس بن دغنة يا حابس في أبيات وهو مما يرجح رواية التخفيف في الدغنة قوله وهو سيد القارة بالقاف وتخفيف الراء وهي قبيلة مشهورة من بني الهون بالضم والتخفيف بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر وكانوا حلفاء بني زهرة من قريش وكانوا يضرب بهم المثل في قوة الرمي قال الشاعر قد أنصف القارة من راماها قوله أخرجني قومي أي تسببوا في إخراجي قوله فأريد أن أسيح بالمهملتين لعل أبا بكر طوى عن بن الدغنة تعيين جهة مقصده لكونه كان كافرا وإلا فقد تقدم أنه قصد التوجه إلى أرض الحبشة ومن المعلوم أنه لا يصل إليها من الطريق التي قصدها حتى يسير في الأرض وحده زمانا فيصدق أنه سائح لكن حقيقة السياحة أن لا يقصد موضعا بعينه يستقر فيه قوله وتكسب المعدوم في رواية الكشميهني المعدم وقد تقدم شرح هذه الكلمات في حديث بدء الوحي أول الكتاب وفي موافقة وصف بن الدغنة لأبي بكر بمثل ما وصفت به خديجة النبي صلى الله عليه وسلّم ما يدل على عظيم فضل أبي بكر واتصافه بالصفات البالغة في أنواع الكمال قوله وأنا لك جار أي مجير أمنع من يؤذيك قوله فرجع أي أبو بكر وارتحل معه بن الدغنة وقع في الكفالة وارتحل بن الدغنة فرجع مع أبي بكر والمراد في الروايتين مطلق المصاحبة وإلا فالتحقيق ما في هذا الباب قوله لا يخرج مثله أي من وطنه باختياره على نية الإقامة في غيره مع ما فيه من النفع المتعدي لأهل بلده ولا يخرج أي ولا يخرجه أحد بغير اختياره للمعنى المذكور واستنبط بعض المالكية من هذا أن من كانت فيه منفعة متعدية لا يمكن من الانتقال عن البلد إلى غيره بغير ضرورة راجحة قوله فلم تكذب قريش أي لم ترد عليه قوله في أمان أبي بكر وكل من كذبك فقد رد قولك فأطلق التكذيب وأراد لازمه وتقدم في الكفالة بلفظ فأنفذت قريش جوار بن الدغنة وآمنت أبا بكر وقد استشكل هذا مع ما ذكره بن إسحاق في قصة خروج النبي صلى الله عليه وسلّم إلى الطائف وسؤاله حين رجع الأخنس بن شريق أن يدخل في جواره فاعتذر بأنه حليف وكان أيضا من حلفاء بني زهرة ويمكن الجواب بأن بن الدغنة رغب في إجارة أبي بكر والأخنس لم يرغب فيما التمس منه فلم يثرب النبي صلى الله عليه وسلّم عليه قوله بجوار بكسر الجيم وبضمها وقد تقدم بيان المراد منه في كتاب الكفالة قوله