تطوى بالليل وفيه ان التجربة أقوى في تحصيل المطلوب من المعرفة الكثيرة يستفاد ذلك من قول موسى عليه السلام للنبي صلى الله عليه وسلّم انه عالج الناس قبله وجربهم ويستفاد منه تحكيم العادة والتنبيه بالأعلى على الأدنى لان من سلف من الأمم كانوا أقوى أبدانا من هذه الأمة وقد قال موسى في كلامه انه عالجهم على أقل من ذلك فما وافقوه أشار إلى ذلك بن أبي جمرة قال ويستفاد منه ان مقام الخلة مقام الرضا والتسليم ومقام التكليم مقام الادلال والانبساط ومن ثم استبد موسى بأمر النبي صلى الله عليه وسلّم بطلب التخفيف دون إبراهيم عليه السلام مع ان للنبي صلى الله عليه وسلّم من الاختصاص بإبراهيم ازيد مما له من موسى لمقام الابوة ورفعة المنزلة والاتباع في الملة وقال غيره الحكمة في ذلك ما أشار إليه موسى عليه السلام في نفس الحديث من سبقه إلى معالجة قومه في هذه العبادة بعينها وانهم خالفوه وعصوه وفيه ان الجنة والنار قد خلقتا لقوله في بعض طرقه التي بينتها عرضت علي الجنة والنار وقد تقدم البحث فيه في بدء الخلق وفيه استحباب الإكثار من سؤال الله تعالى وتكثير الشفاعة عنده لما وقع منه صلى الله عليه وسلّم في اجابته مشورة موسى في سؤال التخفيف وفيه فضيلة الاستحياء وبذل النصيحة لمن يحتاج إليها وان لم يستشر الناصح في ذلك الحديث الثاني .
3675 - قوله حدثنا عمرو هو بن دينار قوله في قوله أي في تفسير قوله تعالى وما جعلنا الرؤيا التي اريناك الا فتنة للناس قال هي رؤيا اعين اريها النبي صلى الله عليه وسلّم ليلة أسرى به إلى بيت المقدس قلت وايراد هذا الحديث في باب المعراج مما يؤيد ان المصنف يرى اتحاد ليلة الإسراء والمعراج بخلاف ما فهم عنه من افراد الترجمتين وقد قدمت ان ترجمته في أول الصلاة تدل على ذلك حيث قال فرضت الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلّم ليلة الإسراء وقد تمسك بكلام بن عباس هذا من قال الإسراء كان في المنام ومن قال انه كان في اليقظة فالأول اخذ من لفظ الرؤيا قال لان هذا اللفظ مختص برؤيا المنام ومن قال بالثاني فمن قوله اريها ليلة الإسراء والاسراء انما كان في اليقظة لأنه لو كان مناما ما كذبه الكفار فيه ولا فيما هو ابعد منه كما تقدم تقريره وإذا كان ذلك في اليقظة وكان المعراج في تلك الليلة تعين ان يكون في اليقظة أيضا إذ لم يقل أحد انه نام لما وصل إلى بيت المقدس ثم عرج به وهو نائم وإذا كان في اليقظة فاضافة الرؤيا إلى العين للاحتراز عن رؤيا القلب وقد اثبت الله تعالى رؤيا القلب في القرآن فقال ما كذب الفؤاد ما رأى ورؤيا العين فقال ما زاغ البصر وما طغى لقد رأى وروى الطبراني في الأوسط بإسناد قوي عن بن عباس قال رأى محمد ربه مرتين ومن وجه اخر قال نظر محمد إلى ربه جعل الكلام لموسى والخلة لإبراهيم والنظر لمحمد فإذا تقرر ذلك ظهر ان مراد بن عباس هنا برؤية العين المذكورة جميع ما ذكره صلى الله عليه وسلّم في تلك الليلة من الأشياء التي تقدم ذكرها وفي ذلك رد لمن قال المراد بالرؤيا في هذه الآية رؤياه صلى الله عليه وسلّم انه دخل المسجد الحرام المشار إليها بقوله تعالى لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق لتدخلن المسجد الحرام قال هذا القائل والمراد بقوله فتنة للناس ما وقع من صد المشركين له في الحديبية عن دخول المسجد الحرام انتهى وهذا وان كان يمكن ان يكون مراد الآية لكن الاعتماد في تفسيرها على ترجمان القرآن أولى والله اعلم واختلف السلف هل رأى ربه في تلك الليلة أم لا على قولين مشهورين وانكرت ذلك عائشة Bها وطائفة واثبتها بن عباس وطائفة وسيأتي بسط ذلك في الكلام على حديث عائشة حيث ذكره المصنف بتمامه في تفسير سورة النجم من كتاب التفسير ان شاء الله تعالى قوله والشجرة الملعونة في القرآن قال هي شجرة الزقوم يريد تفسير الشجرة المذكورة في بقية الآية وقد قيل فيها غير ذلك كما سيأتي في موضعه في