من عدم الذكر عدم الوجود فلمن أثبت الكفارة أن يتمسك بعموم قوله ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان فكفارته إطعام عشرة مساكين ويحتمل أن يكون ذلك وقع قبل مشروعية الكفارة في الأيمان لكن يعكر عليه ما سيأتي من حديث عائشة أن أبا بكر لم يكن يحنث في يمين حتى نزلت الكفارة وقال النووي قوله ولم تبلغني كفارة يعني أنه لم يكفر قبل الحنث فأما وجوب الكفارة فلا خلاف فيه كذا قال وقال غيره يحتمل أن يكون أبو بكر لما حلف أن لا يطعمه أضمر وقتا معينا أو صفة مخصوصة أي لا أطعمه الآن أو لا أطعمه معكم أو عند الغضب وهو مبني على أن اليمين هل تقبل التقييد في النفس أم لا ولا يخفى ما فيه من التكلف وقول أبي بكر والله لا أطعمه أبدا يمين مؤكده ولا تحتمل أن تكون من لغو الكلام ولا من سبق اللسان قوله ثم حملها إلى النبي صلى الله عليه وسلّم فأصبحت عنده أي الجفنة على حالها وإنما لم يأكلوا منها في الليل لكون ذلك وقع بعد أن مضى من الليل مدة طويلة قوله ففرقنا اثنا عشر رجلا مع كل رجل منهم أناس كذا هو هنا من التفريق أي جعلهم اثنى عشر فرقة وحكى الكرماني أن في بعض الروايات فقرينا بقاف وتحتانية من القرى وهو الضيافة ولم أقف على ذلك قوله اثنا عشر رجلا كذا للمصنف وعند مسلم اثنى عشر بالنصب وهو ظاهر والأول على طريق من يجعل المثنى بالرفع في الأحوال الثلاثة ومنه قوله تعالى ان هذان لساحران ويحتمل أن يكون ففرقنا بضم أوله على البناء للمجهول فارتفع اثنا عشر على أنه مبتدأ وخبره مع كل رجل منهم قوله الله أعلم كم مع كل رجل غير أنه بعث معهم يعني أنه تحقق أنه جعل عليهم اثنا عشر عريفا لكنه لا يدري كم كان تحت يد كل عريف منهم لأن ذلك يحتمل الكثرة والقلة غير أنه يتحقق أنه بعث معهم أي مع كل ناس عريفا قوله قال أكلوا منها أجمعون أو كما قال هو شك من أبي عثمان في لفظ عبد الرحمن وأما المعنى فالحاصل أن جميع الجيش أكلوا من تلك الجفنة التي أرسل بها أبو بكر إلى النبي صلى الله عليه وسلّم وظهر بذلك أن تمام البركة في الطعام المذكور كانت عند النبي صلى الله عليه وسلّم لأن الذي وقع فيها في بيت أبي بكر ظهور أوائل البركة فيها وأما انتهاؤها إلى أن تكفي الجيش كلهم فما كان إلا بعد أن صارت عند النبي صلى الله عليه وسلّم على ظاهر الخبر والله أعلم وقد روى أحمد والترمذي والنسائي من حديث سمرة قال أتى النبي صلى الله عليه وسلّم بقصعة فيها ثريد فأكل وأكل القوم فما زالوا يتداولونها إلى قريب من الظهر يأكل قوم ثم يقومون ويجيء قوم فيتعاقبونه فقال رجل هل كانت تمد بطعام قال أما من الأرض فلا إلا أن تكون كانت تمد من السماء قال بعض شيوخنا يحتمل أن تكون هذه القصعة هي التي وقع فيها في بيت أبي بكر ما وقع والله أعلم وفي هذا الحديث من الفوائد غير ما تقدم التجاء الفقراء إلى المساجد عند الإحتياج إلى المواساة إذا لم يكن في ذلك الحاح ولا إلحاف ولا تشويش على المصلين وفيه استحباب مواساتهم عند اجتماع هذه الشروط وفيه التوظيف في المخمصة وفيه جواز الغيبة عن الأهل والولد والضيف إذا أعدت لهم الكفاية وفيه تصرف المرأة فيما تقدم للضيف والإطعام بغير إذن خاص من الرجل وفيه جواز سب الوالد للولد على وجه التأديب والتمرين على أعمال الخير وتعاطيه وفيه جواز الحلف على ترك المباح وفيه توكيد الرجل الصادق لخبره بالقسم وجواز الحنث بعد عقد اليمين وفيه التبرك بطعام الأولياء والصلحاء وفيه عرض الطعام الذي تظهر فيه البركة على الكبار وقبولهم ذلك وفيه العمل بالظن الغالب لأن أبا بكر ظن أن عبد الرحمن فرط في أمر الأضياف فبادر إلى سبه وقوى القرينة عنده اختباؤه منه وفيه ما يقع من لطف الله تعالى بأوليائه وذلك أن