يختلف العلماء في أن الدين يقدم على الوصية الا في صورة واحدة وهي ما لو أوصى لشخص بألف مثلا وصدقه الوارث وحكم به ثم ادعى آخر أن له في ذمة الميت دينا يستغرق موجوده وصدقه الوارث ففي وجه للشافعية تقدم الوصية على الدين في هذه الصورة الخاصة ثم قد نازع بعضهم في إطلاق كون الوصية مقدمة على الدين في الآية لأنه ليس فيها صيغة ترتيب بل المراد أن المواريث إنما تقع بعد قضاء الدين وانفاذ الوصية وأتى بأو للإباحة وهي كقولك جالس زيدا أو عمرا أي لك مجالسة كل منهما اجتمعا أو افترقا وإنما قدمت لمعنى اقتضى الاهتمام لتقديمها واختلف في تعيين ذلك المعنى وحاصل ما ذكره أهل العلم من مقتضيات التقديم ستة أمور أحدها الخفة والثقل كربيعة ومضر فمضر أشرف من ربيعة لكن لفظ ربيعة لما كان أخف قدم في الذكر وهذا يرجع إلى اللفظ ثانيها بحسب الزمان كعاد وثمود ثالثها بحسب الطبع كثلاث ورباع رابعها بحسب الرتبة كالصلاة والزكاة لأن الصلاة حق البدن والزكاة حق المال والبدن مقدم على المال خامسها تقديم السبب على المسبب كقوله تعالى عزيز حكيم قال بعض السلف عز فلما عز حكم سادسها بالشرف والفضل كقوله تعالى من النبيين والصديقين وإذا تقرر ذلك فقد ذكر السهيلي أن تقديم الوصية في الذكر على الدين لأن الوصية إنما تقع على سبيل البر والصلة بخلاف الدين فإنه إنما يقع غالبا بعد الميت بنوع تفريط فوقعت البداءة بالوصية لكونها أفضل وقال غيره قدمت الوصية لأنها شيء يؤخذ بغير عوض والدين يؤخذ بعوض فكان إخراج الوصية أشق على الوارث من إخراج الدين وكان أداؤها مظنة التفريط بخلاف الدين فإن الوارث مطمئن بإخراجه فقدمت الوصية لذلك وأيضا فهي حظ فقير ومسكين غالبا والدين حظ غريم يطلبه بقوة وله مقال كما صح أن لصاحب الدين مقالا وأيضا فالوصية ينشئها الموصي من قبل نفسه فقدمت تحريضا على العمل بها بخلاف الدين فإنه ثابت بنفسه مطلوب أداؤه سواء ذكر أو لم يذكر وأيضا فالوصية ممكنة من كل أحد ولا سيما عند من يقول بوجوبها فإنه يقول بلزومها لكل أحد فيشترك فيها جميع المخاطبين لأنها تقع بالمال وتقع بالعهد كما تقدم وقل من يخلو عن شيء من ذلك بخلاف الدين فإنه يمكن أن يوجد وأن لا يوجد وما يكثر وقوعه مقدم على ما يقل وقوعه وقال الزين بن المنير تقديم الوصية على الدين في اللفظ لا يقتضي تقديمها في المعنى لأنهما معا قد ذكرا في سياق البعدية لكن الميراث يلي الوصية في البعدية ولا يلي الدين بل هو بعد بعده فيلزم أن الدين يقدم في الأداء ثم الوصية ثم الميراث فيتحقق حينئذ أن الوصية تقع بعد الدين حال الأداء باعتبار القبلية فتقديم الدين على الوصية في اللفظ وباعتبار البعدية فتقدم الوصية على الدين في المعنى والله أعلم قوله وقال بن عباس لا يوصي العبد إلا بإذن أهله وصله بن أبي شيبة من طريق شبيب بن عرقدة عن جندب قال سأل طهمان بن عباس أيوصي العبد قال لا الا بإذن أهله قوله وقال النبي صلى الله عليه وسلّم العبد راع في مال سيده هو طرف من حديث تقدم ذكره موصولا في باب كراهية التطاول على الرقيق من كتاب العتق من حديث نافع عن بن عمر وأراد البخاري بذلك توجيه كلام بن عباس المذكور قال بن المنير لما تعارض في مال العبد حقه وحق سيده قدم الأقوى وهو حق السيد وجعل العبد مسئولا عنه وهو أحد الحفظة فيه فكذلك حق الدين لما عارضه حق الوصية والدين واجب والوصية تطوع وجب تقديم الدين فهذا وجه مناسبة هذا الأثر والحديث للترجمة ثم أورد المصنف في الباب حديثين أحدهما حديث حكيم بن حزام أن هذا المال خضر حلو الحديث وقد تقدم مشروحا في كتاب الزكاة قال بن المنير وجه دخوله في هذا