حديث عمران بن حصين في قصة الذي أعتق عند موته ستة أعبد له لم يكن له مال غيرهم فدعاهم النبي صلى الله عليه وسلّم فجزأهم ستة أجزاء فأعتق اثنين وأرق أربعة قال فجعل عتقه في المرض وصية ولا يقال لعلهم كانوا أقارب المعتق لأنا نقول لم تكن عادة العرب أن تملك من بينها وبينه قرابة وإنما تملك من لا قرابة له أو كان من العجم فلو كانت الوصية تبطل لغير القرابة لبطلت في هؤلاء وهو استدلال قوي والله أعلم ونقل بن المنذر عن أبي ثور أن المراد بوجوب الوصية في الآية والحديث يختص بمن عليه حق شرعي يخشى أن يضيع على صاحبه أن لم يوص به كوديعة ودين لله أو لآدمي قال ويدل على ذلك تقييده بقوله له شيء يريد أن يوصي فيه لأن فيه إشارة إلى قدرته على تنجيزه ولو كان مؤجلا فإنه إذا أراد ذلك ساغ له وأن أراد أن يوصي به ساغ له وحاصله يرجع إلى قول الجمهور أن الوصية غير واجبة لعينها وأن الواجب لعينه الخروج من الحقوق الواجبة للغير سواء كانت بتنجيز أو وصية ومحل وجوب الوصية إنما هو فيما إذا كان عاجزا عن تنجيز ما عليه وكان لم يعلم بذلك غيره ممن يثبت الحق بشهادته فأما إذا كان قادرا أو علم بها غيره فلا وجوب وعرف من مجموع ما ذكرنا أن الوصية قد تكون واجبة وقد تكون مندوبة فيمن رجا منها كثرة الأجر ومكروهة في عكسه ومباحة فيمن استوى الأمران فيه ومحرمة فيما إذا كان فيها إضرار كما ثبت عن بن عباس الاضرار في الوصية من الكبائر رواه سعيد بن منصور موقوفا بإسناد صحيح ورواه النسائي ورجاله ثقات واحتج بن بطال تبعا لغيره بأن بن عمر لم يوص فلو كانت الوصية واجبة لما تركها وهو راوي الحديث وتعقب بأن ذلك إن ثبت عن بن عمر فالعبرة بما روى لا بما رأى على أن الثابت عنه في صحيح مسلم كما تقدم أنه قال لم أبت ليلة الا ووصيتي مكتوبة عندي والذي احتج بأنه لم يوص اعتمد على ما رواه حماد بن زيد عن أيوب عن نافع قال قيل لابن عمر في مرض موته ألا توصي قال أما مالي فالله يعلم ما كنت أصنع فيه وأما رباعي فلا أحب أن يشارك ولدي فيها أحد أخرجه بن المنذر وغيره وسنده صحيح ويجمع بينه وبين ما رواه مسلم بالحمل على أنه كان يكتب وصيته ويتعاهدها ثم صار ينجز ما كان يوصي به معلقا واليه الإشارة بقوله فالله يعلم ما كنت أصنع في مالي ولعل الحامل له على ذلك حديثه الذي سيأتي في الرقاق إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح الحديث فصار ينجز ما يريد التصدق به فلم يحتج إلى تعليق وسيأتي في آخر الوصايا أنه وقف بعض دوره فبهذا يحصل التوفيق والله أعلم واستدل بقوله مكتوبة عنده على جواز الاعتماد على الكتابة والخط ولو لم يقترن ذلك بالشهادة وخص أحمد ومحمد بن نصر من الشافعية ذلك بالوصية لثبوت الخبر فيها دون غيرها من الأحكام وأجاب الجمهور بأن الكتابة ذكرت لما فيها من ضبط المشهود به قالوا ومعنى وصيته مكتوبة عنده أي بشرطها وقال المحب الطبري إضمار الأشهاد فيه بعد وأجيب بأنهم استدلوا على اشتراط الأشهاد بأمر خارج كقوله تعالى شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت حين الوصية فإنه يدل على اعتبار الأشهاد في الوصية وقال القرطبي ذكر الكتابة مبالغة في زيادة التوثق وإلا فالوصية المشهود بها متفق عليها ولو لم تكن مكتوبة والله أعلم واستدل بقوله وصيته مكتوبة عنده على أن الوصية تنفذ وأن كانت عند صاحبها ولم يجعلها عند غيره وكذلك لو جعلها عند غيره وارتجعها وفي الحديث منقبة لابن عمر لمبادرته لامتثال قول الشارع ومواظبته عليه وفيه الندب إلى التأهب للموت والاحتراز قبل الفوت لأن الإنسان لا يدري متى يفجؤه الموت لأنه ما من سن يفرض الا وقد مات فيه جمع جم وكل واحد بعينه جائز أن يموت في الحال فينبغي أن يكون متأهبا لذلك فيكتب