وجهه وأخذ يلببه قوله إنا لم نقض الكتاب أي لم نفرغ من كتابته قوله فأجزه لي بصيغة فعل الأمر من الإجازة أي أمض لي فعلي فيه فلا أرده إليك أو أستثنيه من القضية ووقع في الجمع للحميدي فأجره بالراء ورجح بن الجوزي الزاي وفيه أن الاعتبار في العقود بالقول ولو تأخرت الكتابة والإشهاد ولأجل ذلك أمضى النبي صلى الله عليه وسلّم لسهيل الأمر في رد ابنه إليه وكان النبي صلى الله عليه وسلّم تلطف معه بقوله لم نقض الكتاب بعد رجاء أن يجيبه لذلك ولا ينكره بقية قريش لكونه ولده فلما أصر على الامتناع تركه له قوله قال مكرز بل كذا للأكثر بلفظ الإضراب وللكشميهني بلى ولم يذكر هنا ما أجاب به سهيل مكرزا في ذلك قيل في الذي وقع من مكرز في هذه القصة إشكال لأنه خلاف ما وصفه به النبي صلى الله عليه وسلّم من الفجور وكان من الظاهر أن يساعد سهيلا على أبي جندل فكيف وقع منه عكس ذلك وأجيب بأن الفجور حقيقة ولا يلزم أن لا يقع منه شيء من البر نادرا أو قال ذلك نفاقا وفي باطنه خلافه أو كان سمع قول النبي صلى الله عليه وسلّم إنه رجل فاجر فأراد أن يظهر خلاف ذلك وهو من جملة فجوره وزعم بعض الشراح أن سهيلا لم يجب سؤاله لأن مكرزا لم يكن ممن جعل له أمر عقد الصلح بخلاف سهيل وفيه نظر فإن الواقدي روى أن مكرزا كان ممن جاء في الصلح مع سهيل وكان معهما حويطب بن عبد العزي لكن ذكر في روايته ما يدل على أن إجازة مكرز لم تكن في أن لا يرده إلى سهيل بل في تأمينه من التعذيب ونحو ذلك وأن مكرزا وحويطبا أخذا أبا جندل فأدخلاه فسطاطا وكفا أباه عنه وفي مغازي بن عائذ نحو ذلك كله من رواية أبي الأسود عن عروة ولفظه فقال مكرز بن حفص وكان ممن أقبل مع سهيل بن عمرو في التماس الصلح أنا له جار وأخذ قيده فأدخله فسطاطا وهذا لو ثبت لكان أقوى من الاحتمالات الأول فإنه لم يجزه بأن يقره عند المسلمين بل ليكف العذاب عنه ليرجع إلى طواعية أبيه فما خرج بذلك عن الفجور لكن يعكر عليه قوله في رواية الصحيح فقال مكرز قد أجزناه لك يخاطب النبي صلى الله عليه وسلّم بذلك قوله قال أبو جندل أي معشر المسلمين أرد إلى المشركين الخ زاد بن إسحاق فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم يا أبا جندل أصبر واحتسب فأنا لا نغدر وأن الله جاعل لك فرجا ومخرجا وفي رواية أبي المليح فأوصاه رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال فوثب عمر مع أبي جندل يمشي إلى جنبه ويقول أصبر فإنما هم مشركون وإنما دم أحدهم كدم كلب قال ويدني قائمة السيف منه يقول عمر رجوت أن يأخذه مني فيضرب به أباه فضن الرجل أي بخل بأبيه ونفذت القضية قال الخطابي تأول العلماء ما وقع في قصة أبي جندل على وجهين أحدهما أن الله قد أباح التقية للمسلم إذا خاف الهلاك ورخص له أن يتكلم بالكفر مع إضمار الإيمان إن لم يمكنه التورية فلم يكن رده إليهم إسلاما لأبي جندل إلى الهلاك مع وجوده السبيل إلى الخلاص من الموت بالتقية والوجه الثاني أنه إنما رده إلى أبيه والغالب أن أباه لا يبلغ به الهلاك وإن عذبه أو سجنه فله مندوحة بالتقية أيضا وأما ما يخاف عليه من الفتنة فإن ذلك امتحان من الله يبتلي به صبر عباده المؤمنين واختلف العلماء هل يجوز الصلح مع المشركين على أن يرد إليهم من جاء مسلما من عندهم إلى بلاد المسلمين أم لا فقيل نعم على ما دلت عليه قصة أبي جندل وأبي بصير وقيل لا وأن الذي وقع في القصة منسوخ وأن ناسخه حديث أنا بريء من مسلم بين مشركين وهو قول الحنفية وعند الشافعية تفصيل بين العاقل والمجنون والصبي فلا يردان وقال بعض الشافعية ضابط جواز الرد أن يكون المسلم بحيث لا تجب عليه الهجرة من دار الحرب والله أعلم قوله قال عمر بن الخطاب فأتيت نبي الله صلى الله عليه وسلّم