تأوله بأن البيع المذكور لم يكن على الحقيقة لقوله في آخره أتراني ما كستك الخ قال فإنه يشعر بأن القول المتقدم لم يكن على التبايع حقيقة ورده القرطبي بأنه دعوى مجردة وتغيير وتحريف لا تأويل قال وكيف يصنع قائله في قوله بعته منك بأوقية بعد المساومة وقوله قد أخذته وغير ذلك من الألفاظ المنصوصة في ذلك واحتج بعضهم بأن الركوب إن كان من مال المشتري فالبيع فاسد لأنه شرط لنفسه ما قد ملكه المشتري وأن كان من ماله ففاسد لأن المشتري لم يملك المنافع بعد البيع من جهة البائع وإنما ملكها لأنها طرأت في ملكه وتعقب بأن المنفعة المذكورة قدرت بقدر من ثمن المبيع ووقع البيع بما عداها ونظيره من باع نخلا قد أبرت واستثنى ثمرتها والممتنع إنما هو استثناء شيء مجهول للبائع والمشتري أما لو علماه معا فلا مانع فيحمل ما وقع في هذه القصة على ذلك وأغرب بن حزم فزعم أنه يؤخذ من الحديث أن البيع لم يتم لأن البائع بعد عقد البيع مخير قبل التفرق فلما قال في آخره أتراني ما كستك دل على أنه كان أختار ترك الأخذ وإنما اشترط لجابر ركوب جمل نفسه فليس فيه حجة لمن أجاز الشرط في البيع ولا يخفى ما في هذا التأويل من التكلف وقال الإسماعيلي قوله ولك ظهره وعد قام مقام الشرط لأن وعده لا خلف فيه وهبته لا رجوع فيها لتنزيه الله تعالى له عن دناءة الأخلاق فلذلك ساغ لبعض الرواة أن يعبر عنه بالشرط ولا يلزم أن يجوز ذلك في حق غيره وحاصله أن الشرط لم يقع في نفس العقد وإنما وقع سابقا أو لاحقا فتبرع بمنفعته أولا كما تبرع برقبته أخرا ووقع في كلام القاضي أبي الطيب الطبري من الشافعية أن في بعض طرق هذا الخبر فلما نقدني الثمن شرطت حملاني إلى المدينة واستدل بها على أن الشرط تأخر عن العقد لكن لم أقف على الرواية المذكورة وأن ثبتت فيتعين تأويلها على أن معنى نقدني الثمن أي قرره لي واتفقنا على تعيينه لأن الروايات الصحيحة صريحة في أن قبضه الثمن إنما كان بالمدينة وكذلك يتعين تأويل رواية الطحاوي أتبيعني جملك هذا إذا قدمنا المدينة بدينار الحديث فالمعنى أتبيعني بدينار أوفيكه إذا قدمنا المدينة وقال المهلب ينبغي تأويل ما وقع في بعض الروايات من ذكر الشرط على أنه شرط تفضل لا شرط في أصل البيع ليوافق رواية من روى أفقرناك ظهره وأعرتك ظهره وغير ذلك مما تقدم قال ويؤيده أن القصة جرت كلها على وجه التفضل والرفق بجابر ويؤيده أيضا قول جابر هو لك قال لا بل بعنيه فلم يقبل منه إلا بثمن رفقا به وسبق الإسماعيلي إلى نحو هذا وزعم أن النكتة في ذكر البيع أنه صلى الله عليه وسلّم أراد أن يبر جابرا على وجه لا يحصل لغيره طمع في مثله فبايعه في جمله على اسم البيع ليتوفر عليه بره ويبقى البعير قائما على ملكه فيكون ذلك أهنأ لمعروفه قال وعلى هذا المعنى أمره بلالا أن يزيده على الثمن زيادة مبهمة في الظاهر فإنه قصد بذلك زيادة الإحسان إليه من غير أن يحصل لغيره تأميل في نظير ذلك وتعقب بأنه لو كان المعنى ما ذكر لكان الحال باقيا في التأميل المذكور عند رده عليه البعير المذكور والثمن معا وأجيب بأن حالة السفر غالبا تقتضي قلة الشيء بخلاف حالة الحضر فلا مبالاة عند التوسعة من طمع الآمل وأقوى هذه الوجوه في نظري ما تقدم نقله عن الإسماعيلي من أنه وعد حل محل الشرط وأبدى السهيلي في قصة جابر مناسبة لطيفة غير ما ذكره الإسماعيلي ملخصها أنه صلى الله عليه وسلّم لما أخبر جابرا بعد قتل أبيه بأحد أن الله أحياه وقال ما تشتهي فأزيدك أكد صلى الله عليه وسلّم الخبر بما يشتهيه فاشترى منه الجمل وهو مطيته بثمن معلوم ثم وفر عليه الجمل والثمن وزاده على الثمن كما اشترى الله من المؤمنين أنفسهم بثمن هو الجنة ثم رد عليهم أنفسهم وزادهم كما قال تعالى للذين أحسنوا الحسني وزيادة قوله وقال عبيد الله أي بن عمر